للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنفسهم خاصة؛ أي: يفرحون بنعمة من الله؛ أي: بثواب أعمالهم وفضل؛ أي: زيادة عظيمة من الكرامة على ثواب أعمالهم، نظير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وتنكيرها للتعظيم فالنعمة هي الثواب الذي يلقاه العامل جزاءً على عمله، والفضل هو التفضل الذي يمن الله به على عباده الطائعين المخبتين إليه.

{وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: ويفرحون بأن الله تعالى لا يبطل، ولا يبخس أجر المؤمنين من الشهداء، وغيرهم. قرأ الكسائي (١) بكسر الهمزة من {إنَّ} على أنه مستأنف. وفيه دلالة على أن الله لا يضيع أجر شيء من أعمال المؤمنين، ويؤيده قراءة ابن مسعود، ومصحفه {والله لا يضيع أجر المؤمنين} وقرأ باقي السبعة، والجمهور بفتح الهمزة عطفًا على فضل، فهو داخل في جملة ما يستبشرون به، قال (٢) أبو علي يستبشرون: بتوفير ذلك عليهم، ووصوله إليهم؛ لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم، ولم يبخسوه، ولا يصح الاستبشار بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين؛ لأن الاستبشار إنما يكون بما لم يتقدم به علم، وقد علموا قبل موتهم أنَّ الله لا يضيع أجر المؤمنين، فهم يستبشرون بأنَّ الله ما أضاع أجورهم، حتى اختصهم بالشهادة ومنحهم أتم النعمة، وختم لهم بالنجاة، والفوز، وقد كانوا يخشون على إيمانهم، ويخافون سوء الخاتمة المحبطة للأعمال، فلما رأوا ما للمؤمنين عند الله من السعادة، وما اختصَّهم به من حسن الخاتمة التي تصح معها الأجور، وتضاعف الأعمال استبشروا؛ لأنهم كانوا على وجل من ذلك. انتهى كلامه، وفيه تطويلٌ شبيهٌ بالخطابة.

وفي ذلك كله تحريضٌ للمؤمنين على الجهاد، وترغيبٌ لهم في الشهادة، وحث على ازدياد الطاعة، وبشرى للمؤمنين بالفوز العظيم.


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.