للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الشدائد من الفوائد أشياء كثيرة:

منها: إتقاء المنافق إذا علم نفاقه، فقد يفضى صادق الإيمان ببعض أسرار الملة إلى المنافق لما يغلب عليه من حسن الظن به، حين يراه يؤدي الواجبات الظاهرة، ويشارك الصادقين في سائر الأعمال، فإذا هو أفشاها عرف حاله، وحذره الصادقون.

ومنها: أن تَزوَرَ الجماعة حالها إذ بتكشف أمر المنافقين تعرف أنهم عليها لا لها، وكذلك تعرف حال ضعاف الإيمان، الذين لم تربهم الشدائد.

ومنها: أنها تدفع الغرور عن النفس إذ قد يغتر المؤمن الصادق فلا يدرك ما في نفسه من ضعف في الاعتقاد والأخلاق حتى تمحصه الشدائد، وتبين له حقيقة أمره.

وقرأ الأخوان (١): حمزة والكسائي {يميز} من ميز، وباقي السبعة {يَمِيزَ} من ماز، وفي رواية عن ابن كثير {يُمِيْزَ} من أماز، والهمزة ليست للنقل كما أن التضعيف ليس للنقل، بل أفعل، وفعل بمعنى الثلاثي المجرد، كحزن وأحزن وقدر الله وقدَّر.

ولمَّا كان يدور بخلد بعض الناس أن أقرب وسيلةٍ لتمييز المؤمن الصادق من المنافق أن يطلع المؤمنين على الغيب، حتى يعرفوا حقائق أنفسهم، وحقائق الناس الذين يعيشون بين ظهرانيهم، فيعرفوا أن فلانًا من أهل الجنة، وفلانًا من أهل النار، أجاب الله تعالى عن هذا فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {لِيُطْلِعَكُمْ} ويظهركم أيها الناس، وقيل: الخطاب فيه لكفار قريش فقط، {عَلَى الْغَيْبِ}، أي: على ما شأنه أن يغيب ويختفي عنكم حتى تميزوا بين الخبيث والطيب، فإن الله سبحانه وتعالى هو المستأثر بعلم الغيب لا يظهر علي غيبه أحدًا {وَلَكِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَجْتَبِي}، ويختار {مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ}، ويريد إطلاعه على الغيب، فيطلعه على ما يشاء من بعض المغيبات كما وقع لنبينا


(١) البحر المحيط.