ناجينَ من العذاب الدنيوي، وهو العذاب الذي يصيب الأمم التي فسدت أخلاقها، وساءت أعمالها، وألفت الفسادَ، والظلمَ وهو ضربان (١):
الأول: عذاب هو أثر طبيعي للحال التي يكون عليها المبطلون بحسب سنة الله في الاجتماع البشري بخذلان أهل الباطل، والإفساد وذهاب استقلالهم، ونصرة أهل الحق عليهم، وتمكينهم من رقابهم، وديارهم وأموالهم ليحل الإصلاح محل الإفساد، والعدل مكان الظلم {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
والضرب الثاني: عذاب يكون سخطًا سماويًّا، كالزلازل، والخسف، والطوفان وغير ذلك من الجوائح المدمرة التي نزلت ببعض أقوام الأنبياء الذين كفروا بربهم، وكذبوهم، وآذوهم عند اشتداد عتوهم، وإيذائهم لرسلهم.
روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل اليهود عن شيء في التوراة فكتموا الحق، وأخبروه بخلافه، وأروه أنهم قد صدقوا، واستحمدوا إليه، وفرحوا بما فعلوا، فأطلع الله رسوله على ذلك، وسلاه بما أنزل من وعيدهم. وهذا المعنى على قراءة التاء، فالمفعول الأول عليها الموصول، والثاني قوله الآتي:{بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ}. وقرىء بالياء فعلى هذه القراءة يكون الموصول فاعلًا، والمفعول الأول محذوف، وهو فَرحهم، والمفعول الثاني {بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ}. والمعنى: عليها لا يحسبن الفارحون فرحَهم منجيًّا لهم من العذاب وقوله: {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ} تأكيد للفعل الأول على القراءتين. وقد عهد هذا في الأساليب العربية من إعادة الفعل، إذا طال الفصل بينه وبين معموله. قال الزجاج: العرب إذا أطالت القصة تعيد حسبت، وما أشبهها إعلامًا بأن الذي جرى متصل بالأول، فتقول: لا تظنن زيدًا إذا جاءك، وكلمك بكذا، وكذا، فلا تظننه صادقًا، فيفيد لا تظنن توكيدًا، وتوضيحًا والفاء زائدة كما في قوله: