للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} مفعول ثان على القراءتين، أي: فلا تظنهم بمنجاة؛ أي: فائزين بالنجاة من العذاب الذي أعده الله لهم في الدنيا من القتل، والأسر، وضرب الجزية، والذلة، والصغار، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: وجيع في الآخرة. وناسبَ وصفه بـ {أليم} لأجل فرحهم، ومحبتهم المحمدة على ما لم يفعلوا.

وهذه الآية (١) وإن كانت قد نزلت في اليهود، أو المنافقين خاصةً فإن حكمَها عام في كل من أحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والصلاح، ويُنسَب إلى العلم، وليس كذلك، فيفرح به فَرح إعجاب، ويود أن يمدحه الناس بما هو عار منه من سَدَاد السيرة، واستقامة الطريقة، والزهد والإقبال على طاعة الله.

وفي الحديث الصحيح: "المتشح بما ليس فيه، كلابس ثوبي زور". وقرأ حمزة، وعاصم (٢)، والكسائي {تَحْسَبَنَّ} {وتحسبنهم} بالتاء الفوقية، وكلاهما إما بفتح الباء، والتقدير: لا تحسبن يا محمَّد، أو أيها المخاطب، وإما بضم الباء، والخطاب للمؤمنين، والمفعول الأول: {الَّذِينَ يَفْرَحُونَ}، والثاني: {بِمَفَازَةٍ}. وقوله {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ} تأكيد، والفاء مقحمة، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر بالياء التحتية، وكلاهما إما بفتح الباء والفاعل للرسول، وإما بضمها، والفاعل من يتأتى منه الحسبان، أو بفتح الباء في الأول، وضمها في الثاني، وهي قراءة أبي عمرو. والفاعل: هو الموصول، والمفعول الأول محذوف، والتقدير ولا يحسبن الذين يفرحون أنفسهم بمفازة من العذاب. ويجوز أن يحمل الفعل الأول على حذف المفعولين معًا اختصارًا لدَلاَلة مفعولي الفعل الثاني عليهما، أي: لا يحسبن هؤلاء أنفسهم فائزين، أو على أن الفعل الأول مسند للرسول، أو لكل حاسب، ومفعوله الأول الموصول، والثاني محذوف لدلالة مفعول الفعل الثاني عليه، والفعل الثاني مسندٌ إلى ضمير الموصول، والفاء للعطف لظهور تفرع عدم حسبانهم على عدم حسبانه - صلى الله عليه وسلم -، ومفعولاه ما بعده. وقرأ النخعي، ومروان بن الحكم، والأعمش {بما آتوا} بالمد، أي: يفرحون بما


(١) الخازن.
(٢) المرح.