الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، ومراده أن كل ذنب يرتكب لعارض يعوض على النفس، من استشاطة غضب أو ثورة شهوة، وصاحبه متمكن من دينه، يخاف الله ولا يستحل محارمه، فهو من السيئات التي يكفرها الله تعالى، إذ لولا ذلك العارض القاهر للنفس لم يكن ليجترحه تهاونًا بالدين، إذ هو بعد اجتراحه يندم ويتألم ويتوب ويرجع إلى الله تعالى، ويعزم على عدم العودة إلى اقتراف مثله، فهو إذ ذاك لأَنْ يتوب عليه ويكفر عنه أقربُ، وكل ذنب يرتكبه الإنسان مع التهاون بالأمر، وعدم المبالاة بنظر الله إليه، ورؤيته إياه حيث نهاه، فهو مهما كان صغيرًا في صورته أو في ضرره يعد كبيرًا من حيث الإصرار والاستهتار، فتطفيف الكيل والميزان ولو حبة لمن اعتاده، والهمز واللمز، وعيب الناس، والطعن في أعراضهم لمن تعوده، كل ذلك كبيرة ولا شك، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر في كل مقام ما تمس إليه الحاجة ولم يرد الحصر والتحديد.
وأما في تحقيقها فقيل: إن الذنوب كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها: صغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا. وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب، وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آيةً، وقال سعيد بن جبير: كل ذنب نسبه الله إلى النار فهو كبيرة، وقال جماعة من أهل الأصول: الكبائر كل ذنب رتب عليه الحد أو صرح بالوعيد فيه، وقيل: كل ذنب عظم قبحه وعظمت عقوبته، إما في الدنيا بالحدود، وإما في الآخرة بالعذاب عليه، وقيل غير ذلك مما لا طائل في ذكره.
فصل في ذكر الأحاديث الواردة في الكبائر
فمنها: ما روي عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا"، قلنا: بلى يا رسول الله، قال:"الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، وقول الزور"، وكان متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. أخرجاه في "الصحيحين".
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ذكر لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر