للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أحسنوا بهما، ولا تقصروا في شيء مما يطلبانه؛ لأنهما السبب الظاهر في وجودكم وتربيتكم بالرحمة والإخلاص، وقد فصلت هذه الوصية في سورة الإسراء بقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥)}.

والخلاصة: أنَّ العبرة بما في نفس الولد، من قصد البر والإحسان والإخلاص فيه، بشرط أن لا يحد الوالدان من حرية الولد واستقلاله في شؤونه الشخصية أو المنزلية، ولا في الأعمال الخاصة بدينه ووطنه، فإذا أراد أحدهما الاستبداد في شيء من ذلك .. فليس من البر العمل برأيهما اتباعًا لهواهما.

{و} أحسنوا وصلوا {بِذِي الْقُرْبَى}؛ أي: أحسنوا إلى صاحب القرابة لكم، وهو ذو رحمه من قبل أَبيه وأمه، كأخ وعم وخال وغيرهم، وكرر الباء إشارة إلى تأكد حق الرحم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره .. فليصل رحمه". متفق عليه. قوله: ينسأ له في أثره يعني: يؤخر له في أجله وعمره، والمعنى: وأحسنوا معاملة أقرب الناس إليكم بعد الوالدين، وإذا أدى المرء حقوق الله، فصحت عقيدته، وصلحت أعماله، وقام بحقوق الوالدين .. صلح البيت، وحسن حال الأسرة، وإذا صلح البيت .. كان قوة كبيرة، فإذا عاون أهله ذوي القربى الذين ينسبون إليهم .. كان لكل منهم قوة أخرى تتعاون مع هذه الأسرة وبذا تتعاون الأمة جمعاء، وتمد يد المعونة لمن هو في حاجة إليها، ممن ذكروا بعد في قوله: {و} أحسنوا إلى {اليتامى} بالرفق بهم، وبمسح رأسهم، وبتربيتهم وحفظ أموالهم.

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا". أخرجه البخاري.