وإنما أمر بالإحسان إليهم؛ لأن اليتيم قد فقد الناصر المعين وهو الأب مع صغره، وقلما تستطيع الأم مهما اتسعت معارفها أن تقوم بتربيته تربية كاملة، فعلى القادرين أن يعاونوا في تربيته، وإلا كان وجوده جناية وثقلًا على الأمة؛ لجهله وفساد أخلاقه، وكان خطرًا على من يعاشرهم من لداته، وجرثومة فساد بينهم، ومعلوم أن اليتامى جمع يتيم، وهو صغير لا أب له، وإن كان له جد وأم كما سبق في البقرة.
{و} أحسنوا إلى {المساكين} بالصدقة، أو بالرد الجميل، وهو جمع مسكين، وهو من التصقت يده بالتراب، فيشمل الفقير، وإنما أمر بالإحسان إليهم؛ لأنه لا ينتظم حال المجتمع إلا بالعناية بهم، وصلاح حالهم، وإلا كانوا وبالًا عليه.
والمساكين ضربان: مسكين معذور تجب مواساته، وهو من كان سبب عدمه الضعف والعجز، أو نزول آفة سماوية ذهبت بماله، ومثل هذا يجب عونه بمساعدته بالمال الذي يسد عوزه، ويستعين به على الكسب. ومسكين غير معذور في تقصيره، وهو من عدم المال بإسرافه وتبذيره، ومثل هذا يبذل له النصح ويدل على طرق الكسب، فإن اتعظ وقبل النصح فبها، وإلا ترك أمره إلى أولي الأمر، فهم أولى بتقويم إعوجاجه، وإصلاح ما فسد من أخلاقه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله"، وأحسبه قال:"وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر". متفق عليه.
{و} أحسنوا إلى {الجار ذي القربى}؛ أي: إلى الجار الذي قرب منكم جواره وداره، أو إلى الجار الذي له مع الجوار اتصال بكم في النسب، أوله (١) اتصال بكم في الدين، فقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم -: "الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: حق الجوار وحق القرابة وحق الإِسلام، وجار له حقان: حق الجوار وحق