قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ ...} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة .. قالت قريش: ألا ترى إلى هذا الصنوبر - الرجل الفرد الضعيف الذليل بلا أهل وعقب وناصر - المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة وأهل السقاية، قال: أنتم خير منه، فنزلت فيهم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)} وأنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} إلى قوله: {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}. وأخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلَّام بن الحقيق، وأبا رافع، والربيع بن أبي الحقيق، وأبا عمارة، وهوذة بن قيس، وكان سائرهم من بني النضير، فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود، وأهل العلم بالكتب الأولى، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمَّد، فسألوهم فقالوا: دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه، فأنزل الله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {مُلْكًا عَظِيمًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قال أهل الكتاب: زعم محمَّد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة، وليس همه إلا النكاح، فأي ملك أفضل من هذا، فأنزل الله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ...} الآية. وأخرج ابن سعد عن عمر مولى عمرة نحوه بأبسط منه.
التفسير وأوجه القراءة
بعد (١) أن ذكر الله سبحانه وتعالى في سابق الآيات كثيرًا من الأحكام الشرعية، ووعد فاعلها بجزيل الثواب، وأوعد تاركها بشديد العقاب .. انتقل هنا إلى ذكر حال بعض الأمم، الذين تركوا أحكام دينهم، وحرفوا كتابهم، واشتروا الضلالة بالهدى، لينبه الذين خوطبوا بالأحكام المتقدمة إلى أن الله مهيمن عليهم، كما هيمن على من قبلهم فإذا هم قصروا .. أخذهم بالعقاب الذي رتبه على ترك