أحكام دينه في الدنيا والآخرة، والمؤمنون بالله حقًّا بعد أن سمعوا الوعد والوعيد المتقدمين لا بد أن يأخذوا بهذه الأحكام على الوجه الموصل لهم إلى إصلاح الأنفس، وذلك هو الأثر المطلوب منها، ولن يكون ذلك إلا إذا أخذت بصورها ومعانيها، لا بأخذها بصورها الظاهرة فحسب.
وقد اكتفى بعض الأمم من الدين ببعض رسومه الظاهرة فقط، كبعض اليهود الذين يكتفون ببعض القرابين وأحكام الدين الظاهرة، وهذا لا يكفي في اتباع الدين، والقيام به على الوجه المصلح للنفوس كما أراده الله تعالى، فأرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى أن عمل الرسوم الظاهرة في الدين كالغسل والتيمم لا يغني عنهم شيئًا إذا لم يطهروا القلوب، حتى ينالوا مرضاته، ويكونوا أهلًا لكرامته، ولا يكون حالهم كحال بعض من سبقهم من الأمم.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} كلام مستأنف (١)، مسوق لتعجيب المؤمنين من سوء حالهم، والتحذير من موالاتهم، والخطاب فيه لكل من تتأتى منه الرؤية من المؤمنين، وتوجيهه إليه - صلى الله عليه وسلم - هنا مع توجيهه فيما بعد إلى الكل للإيذان بكمال شهرة شناعة حالهم، وأنها بلغت من الظهور إلى حيث يتعجب منها كل من يراها، والرؤية هنا بصرية؛ أي: ألم تنظر أيها المخاطب إلى حال هؤلاء الذين أعطوا حظًّا يسيرًا من علم التوراة، والمراد بهم أحبار اليهود حال كونهم {يَشْتَرُونَ}؛ أي: يختارون لأنفسهم {الضَّلَالَةَ} وهي البقاء على اليهودية - على الهدى بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه هو النبي العربي المبشر به في "التوراة" و"الإنجيل"، أو يؤثرون تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - على تصديقه؛ ليأخذوا الرشا على ذلك، وتحصل لهم الرياسة كما قاله الزجاج، وإنما ذكر بلفظ الشراء لأنه استبدال شيء بشيء {و} حالة كونهم {وَيُرِيدُونَ}، ويقصدون بما فعلوا من الكتمان، {أَنْ تَضِلُّوا} أيها المؤمنون، وتخطئوا {السَّبِيلَ}؛ أي: طريق الحق ودينه الذي لا طريق سواه، كما هم ظنوا، فتكونوا مثلهم، فهم