للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دائبون على الكيد لكم، ليردوكم عن دينكم إن استطاعوا؛ أي: ويتوصلون إلى إضلال المؤمنين، والتلبيس عليهم لكي يخرجوا عن الإسلام؛ أي: لم يكفهم (١) أن ضلوا في أنفسهم، حتى تعلقت آمالهم بضلالكم أنتم أيها المؤمنون عن سبيل الحق؛ لأنهم علموا أنهم قد خرجوا من الحق إلى الباطل، فكرهوا أن يكون المؤمنون مختصين باتباع الحقِّ، فأرادوا أن تضلوا كما ضلوا هم، كما قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}، وقرأ النخعي: {وتريدون} بالمثناة الفوقية، قيل معناه: وتريدون أيها المؤمنون أن تضلوا السبيل؛ أي: تدعون الصواب في اجتنابهم، وتحسبونهم غير أعداء الله، وقرىء: {أن يضلوا} بالياء وفتح الضاد وكسرها.

والتعبير (٢) بالشراء دون الاختيار للإيماء إلى أنهم كانوا فرحين بما عملوا، ظانين أن الخير كل الخير فيما صنعوا، والتعبير بالنصيب يدل على أنهم لم يحفظوا كتابهم كله، إذ هم لم يستظهروه زمن التنزيل كما حفظ "القرآن"، ولم يكتبوا منه نسخًا متعددة في العصر الأول كما فعلنا، حتى إذا ما فقد بعضها، قام مقامه بعض آخر، بل كان عند اليهود نسخةٌ من التوراة، هي التي كبتها موسى عليه السلام ففقدت، ويؤيد هذا قوله تعالى: {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}.

والخلاصة: أنهم لم يأخذوا الكتاب كله، بل تركوا كثيرًا من أحكامه لم يعملوا بها، وزادوا عليها، والزيادة فيه كالنقص منه، فالتوراة تنهاهم عن الكذب وإيذاء الناس وأكل الربا، وكانوا يفعلون ذلك، وزاد لهم علماؤهم ورؤساؤهم كثيرًا من الأحكام والرسوم الدينية، فتمسكوا بها، وهي ليست من التوراة، ولا مما يعرفونه عن موسى عليه السلام فالذي لم يعملوا به من التوراة قسمان:

أحدهما: ما أضاعوه ونسوه.

وثانيهما: ما حفظوا حكمه، وتركوا العمل به، وهو كثير أيضًا.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.