للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعجب من ادعائهم أنهم أزكياء بررة عند الله تعالى، مع ما هم عليه من الكفر وعظيم الذنب، أو من تكفير ذنوبهم، مع استحالة أن يغفر للكافر شيء من كفره أو معاصيه، وفيه تحذير من إعجاب المرء بنفسه وعمله، ويدخل في الآية كل من زكى نفسه، ووصفها بزيادة العمل والطاعة والتقوى، قال الشوكاني: واختلف (١) المفسرون في المعنى الذي زكوا به أنفسهم، فقال الحسن وقتادة: هو قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}، وقولهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، وقال الضحاك: هو قولهم: لا ذنوب لنا، ونحن كالأطفال، وقيل: هو قولهم: إن أباءهم يشفعون لهم، وقيل: ثناء بعضهم على بعض، ومعنى التزكية: التطهير والتنزيه، فلا يبعد صدقها على جميع هذه التفاسير وعلى غيرها، واللفظ يتناول كل من زكى نفسه بحق أو بباطل من اليهود وغيرهم.

واعلم (٢): أن تزكية النفس تارة تكون بالعمل الذي يجعلها زاكية طاهرة كثيرة الخير والبركة، بتنمية فضائلها وكمالاتها، ولا يكون ذلك إلا بابتعادها عن الشرور والآثام، التي تعوقها عن الخير، وهذه التزكية محمودة وهي التي عناها الله سبحانه وتعالى بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)}.

وتارة تكون بالقول بادعاء الكمال والزكاة، وقد اتفق العقلاء على استهجان تزكية المرء نفسه بالقول ولو حقًّا، ومصدر هذه التزكية الجهل والغرور، ومن آثار هذه السيئة الاستكبار عن قبول الحق، والانتفاع بالنصح، وقد رد الله سبحانه وتعالى عليهم دعواهم الزكاة والطهارة بقوله: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} إضراب عن محذوف تقديره: لا عبرة بتزكيتهم أنفسهم، بأن يقولوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وبأنهم لا يعذبون في النار؛ لأنهم شعب الله المختار، وبتفاخرهم بنسبهم ودينهم، {بَلِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {يُزَكِّي} ويطهر من الذنوب والرذائل من يشاء تطهيره من عباده، من أيِّ شعب كان، ومن أيِّ قبيلة كانت، فيهديهم إلى صحيح


(١) فتح القدير.
(٢) المراغي.