للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العقائد، وفاضل الآداب، وصالح الأعمال، {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} معطوف على محذوف، تقديره: فهؤلاء الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم ادعاءً، ولا يظلمون وينقصون شيئًا من الجزاء على أعمالهم السيئة؛ أي: لا يظلمون في ذلك العقاب فتيلًا؛ أي: أدنى ظلم وأصغره، وهو الخيط الذي في شق النواة، يضرب به المثل في القلة والحقارة، والفتيل في الأصل: الشيء المفتول، وسمي ما في شق النواة بذلك لكونه على هيأته، وقيل: الفتيل: ما تفتله بين أصابعك من وسخ وغيره، ويضرب به المثل في الشيء الحقير الذي لا قيمة له، وقد ضربت العرب المثل في القلة بأربعة أشياء اجتمعت في النواة وهي: الفتيل المذكور، والنقير وهو: النقرة التي في ظهر النواة، والقطمير وهو: القشر الرقيق فوقها، وهذه الثلاثة مذكورة في القرآن، والرابع: اليعروف وهو: ما بين النواة والقمع الذي يكون في رأس الثمرة كالعلاقة بينهما. اهـ. "سمين" فخذلانهم في الدنيا بالعبودية لغيرهم، وفي الآخرة بالعذاب والحرمان، من النعيم المقيم والثواب الجسيم، وما كان ذلك بظلم من الله سبحانه وتعالى لهم، بل كان بنقصان درجات أعمالهم وعجزها عن الصعود بأرواحهم إلى مستوى الرفعة والكرامة، لتزكيتهم إياها بالقول الباطل دون الفعل، فلم تصل بهم نفوسهم إلى مراتب الفوز والفلاح.

وقيل: الضمير (١) في {يظلمون} راجع إلى {من} في: {مَنْ يَشَاءُ} باعتبار معناها، والتقدير: يثاب المزكون ولا ينقص من ثوابهم شيء أصلًا، ولكن لا يساعده مقام الوعيد.

وفي الآية موضعان من العبرة (٢):

الأول: أن الله يجزى عامل الخير بعمله ولو كان مشركًا؛ لأن لعمله أثرًا في نفسه يكون مناط الجزاء، فيخفف عذابه عن عذاب غيره، كما ورد في الأحاديث إن بعض المشركين يخفف عنهم العذاب بعمل لهم، فحاتم الطائي


(١) الجمل.
(٢) المراغي.