للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس لا جرم .. أمر بهما في هذه الآية.

وقال أبو حيان (١): مناسبة هذه الآية لما قبلها هو: أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين، وذكر عمل الصالحات .. نبه على هذين العملين الشريفين، اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة:

فأحدهما: ما يختص به الإنسان فيما بينه وبين غيره وهو أداء الأمانة، التي عرضت على السموات والأرض، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها.

والثاني: ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى، وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين، ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره .. أمر بأداء الأمانة أولًا، ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق انتهى.

وفي "الفتوحات" قوله تعالى (٢): {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} خطاب للمكلفين قاطبة، وهذه الآية مناسبة ومرتبطة بقوله سابقًا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ...} إلخ، وذلك أن اليهود كانوا يعرفون الحق وأوصاف النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكورة في "التوراة"، وهي أمانة عندهم، ومع ذلك كتموها وأنكروها، وقالوا لأهل مكة أنتم أهدى سبيلًا من محمَّد وأصحابه، فلما خانوا في هذه الأمانة الخاصة .. أمر الله تعالى عموم المكلفين بأداء جميع الأمانات بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ ...} إلخ، تأمل انتهى.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ...} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه لما أمر الولاة أن يحكموا بالعدل .. أمر الرعية بطاعتهم.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما


(١) البحر المحيط.
(٢) الجمل.