المسألة الثانية: اختلف في صلاة المسافر إذا صلى ركعتين، هل هي مقصورة أم غير مقصورة؟ فذهب قوم إلى أنَّها غير مقصورة؛ وإنَّما فرض صلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر، يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله، وإليه ذهب سعيد بن جبير والسدى وأبو حنيفة، فعلى هذا يكون معنى القصر المذكور في الآية: هو تخفيف ركوعها وسجودها، ولكن يعارض هذا المعنى لفظة {مِنَ} في الآية أعني قوله: {أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} لأن لفظة {مِنَ} للتبعيض، وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض ركعات الصلاة، وذهب قوم إلى أنَّها مقصورة وليست بأصل، وهو قول مجاهد وطاوس، وإليه ذهب الشافعي وأحمد.
المسألة الثالثة: ذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور إلى أنَّه يجوز القصر في كل سفر مباح، وشرط بعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد، أو سفر طاعة كطلب العلم، ولا يجوز القصر في سفر المعصية، كسفر ناشزة وآبق وقاطع طريق، وقال أبو حنيفة والثوري: يجوز ذلك.
المسألة الرابعة: اختلف العلماء في مسافة القصر، فقال داود الظاهري وأهل الظاهر: يجوز القصر في قصير السفر وطويله، ويروى ذلك عن أنس أيضًا، وقال عمرو بن دينار: قال لي جابر بن زيد: أقصر بعرفة. وأما عامة أهل العلم فإنَّهم لا يجوِّزون القصر في السفر القصير، واختلفوا في حد الطويل الذي يجوز فيه القصر، فقال الأوزاعي: مسيرة يوم، وكان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في رمضان في مسيرة أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخًا، وقدر هذه المسافة المرحوم أحمد الحسيني بك في كتابه "دليل المسافر" بنحو (٨٩ ك م)، وإليه ذهب مالك وأحمد وإسحاق، وقول الحسن والزهري قريب من ذلك، فإنهما قالا: مسيرة يومين، وإليه ذهب الشافعي فقال: مسيرة ليلتين قاصدتين ستة عشر فرسخًا، كل فرسخ ثلاثة أميال، فتكون ثمانية وأربعين ميلًا بالهاشمي، والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرين إصبعًا معترضة معتدلة، والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات، وقال الثوري وأبو حنيفة وأهل الكوفة: لا قصر في