نزول القرآن، فأنزلها سبحانه حكمة منه حتى تتوفّر دواعيهم، لما أنزل الله تعالى إذا سمعوا مثل هذا الذي ما عهدوه، والنفوس من طبعها أن تميل إلى كلّ أمر غريب غير معتاد، فينصتون عن اللغو، ويقبلون عليها، ويصغون إليها، فيحصل المقصود فيما يسمعونه مما يأتي بعد هذه الحروف النازلة من عند الله تعالى، وتتوفّر دواعيهم للنظر في الأمر المناسب بين حروف الهجاء التي جاء بها مقطعة، وبين ما يجاورها من الكلم، وأبهم الأمر عليهم من عدم اطلاعهم عليها. فردّ الله سبحانه بذلك شرّا كبيرا من عنادهم، وعتوّهم، ولغوهم كان يظهر منهم؛ فذاك رحمة للمؤمنين، وحكمة منه سبحانه وتعالى. انتهى.
وقال المراغي:{الم} هي وأمثالها من الحروف المقطعة، نحو:{المص} و {الر} حروف للتنبيه كألا، ويا، ونحوهما مما وضع؛ لإيقاظ السامع إلى ما يلقى بعدها، فهنا جاءت؛ للفت نظر المخاطب إلى وصف القرآن الكريم، والإشارة إلى إعجازه، وإقامة الحجة على أهل الكتاب، إلى نحو ذلك مما جاء في أثناء السورة.
وتقرأ مقطعة بذكر أسمائها ساكنة الأواخر، فيقال: ألف لام ميم، كما يقال في أسماء الأعداد: واحد اثنان ثلاثة. انتهى. وعلى هذا القول: فلا محلّ لها من الإعراب، كالقول الأوّل الراجح. وقيل: إنّها أسماء للسور التي ابتدئت بها. وقيل: أسماء للقرآن. وقيل: أسماء لله تعالى. وقيل: كل حرف منها مفتاح اسم من أسمائه تعالى، كما مرّ؛ أي: إنّ كلّ حرف منها اسم مدلوله حرف من حروف المباني، وذلك الحرف جزء من اسم من أسماء الله تعالى، فألف: اسم مدلوله اه من الله، واللام، اسم مدلوله له من لطيف، والميم: اسم مدلوله مه من مجيد. وقيل: كلّ حرف منها يشير إلى نعمة من نعم الله تعالى. وقيل: إلى ملك. وقيل: إلى نبيّ. وقيل: الألف تشير إلى آلاء الله، واللام تشير إلى لطف الله، والميم تشير إلى ملك الله. وعلى هذه الأقوال فلها محلّ من الإعراب، فقيل: الرفع، وقيل: النصب، وقيل: الجرّ. فالرفع على أحد وجهين: إما بكونها مبتدأ خبرها ما بعدها، وإما بكونها خبرا لمحذوف، كما سيأتي بيانه. والنصب على