{إِنَّمَا الْمَسِيحُ} مبتدأ، و {عِيسَى} بدل منه، أو عطف بيان له، و {ابْنُ مَرْيَمَ} صفة لعيسى {رَسُولُ اللَّهِ} خبر المبتدأ؛ أي: إنما المسيح عيسى ابن مريم هو رسول الله تعالى إلى بني إسرائيل، لا شريكه ولا ابنه، وقد أمرهم بأنْ يعبدوا الله وحده، ولا يشركوا به شيئًا، وزهدهم في الدّنيا، وحثهم على التقوى، وبشرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين، وأرشدهم إلى الاعتدال في كل شيء، فهداهم إلى الجمع بين حقوق الأبدان وحقوق الأديان. وقرأ جعفر بن محمَّد {إنما المسيح} على وزن السكيت. {وَكَلِمَتُهُ}؛ أي: ومكون بكلمة الله سبحانه وتعالى وأمره الذي هو "كن"، من غير واسطة أب، ولا نطفة، {أَلْقَاهَا}؛ أي: أوصلها {إِلَى مَرْيَمَ}؛ أي: أوصل تلك الكلمة إلى مريم بنفخ جبريل في حبيب درعها، فوصل النفخ إلى فرجها، فحملت به. {وَرُوحٌ}: صادر {مِنْهُ} سبحانه وتعالى، ومكون بأمره تعالى جبريل بالنفخ في جيبها, ولذلك نسبت إليه تعالى، وإنّما سمِّي روحًا؛ لأنّه حصل من الريح الحاصل من نفخ جبريل، والريح يخرج من الروح. وهذه الإضافة للتفضيل والتشريف، وإن كان جميع الأرواح من خلقه تعالى، فإن الله سبحانه وتعالى لما أرسل إلى مريم الروح الأمين جبريل .. بشرها بأنه مأمور بأن يهب لها غلامًا زكيًّا، فاستنكرت ذلك؛ إذ هي عذراء لم تتزوج، فقال لها:{كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فكلمة "كن": هي الكلمة الدالة على التكوين بمحض القدرة عند إرادة خلق الشيء وإيجاده، وهو أيضًا مؤيد بروح منه، كما قال تعالى:{وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}، وكما قال تعالى في صفات المؤمنين:{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}.
وآية الله في خلق عيسى بكلمته وجعله بشرًا سويًّا بما نفخ فيه من روحه .. كآيته في خلق آدم بكلمته وما نفخ فيه من روحه، فخلقهما كان بغير السنة العامة في خلق الناس من ذكر وأنثى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)}. وزعم بعض النصارى: أن كلمة {مِنْهُ} تدل على أن عيسى جزء من الله، بمعنى أنه ابنه، فقد نقل بعض المفسرين: أن طبيبًا حاذقًا نصرانيًّا جاء للرشيد، فناظر علي بن الحسين الواقدي المروزي ذات يوم، فقال: