إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى، وتلا هذه الآية، فقرأ له الواقدي قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} فلئن صح ما تقول .. لزم أن تكون جميع هذه الأشياء جزءًا منه تبارك وتعالى، فأفحم النصراني وأسلم، ففرح بذلك الرشيد، ووصل الواقدي بصلة عظيمة.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان له من العمل". متفق عليه.
{فَآمِنُوا} يا أهل الكتاب {بِاللَّهِ} إيمانًا يليق به، وهو أنه واحد أحد، تنزه عن صفات الحوادث، وأنَّ كل ما في الكون مخلوق له، وهو الخالق له، وأن الأرض في مجموع ملكه أقل من حبَّة رمل بالنسبة إلى اليابس منها، ومن نقطة ماء بالنسبة إلى بحارها وأنهارها {و} آمنوا بـ {رسله} تعالى كلهم إيمانًا يليق بشأنهم، وهو أنهم عبيد له، خصهم بضروب من التكريم والتعظيم، وألهمهم بضرب من العلم والهداية بالوحي، ليعلموا الناس كيف يوحدون ربهم ويعبدونه ويشكرونه {وَلَا تَقُولُوا} أيها النصارى: الآلهة {ثَلَاثَةٌ} الأب والابن وروح القدس، وقيل: المراد بالآلهة الثلاثة: الله سبحانه وتعالى، ومريم، والمسيح، وقيل: يعنون بالثلاثة: الثلاثة الأقانيم؛ أي: الأشخاص، فيجعلونه سبحانه وتعالى جوهرًا واحدًا، وله ثلاثة أقانيم، ويعنون بالأقانيم: أقنوم الوجود، وأقنوم الحياة، وأقنوم العلم، فيقولون: الله ثلاثة أقانيم، كل منها عين الآخر، وكل منها إله كامل، ومجموعها إله واحد، وربّما يعبرون عن الأقانيم بالأب والابن وروح القدس، فإنّ في هذا تركًا للتوحيد الذي هو ملة إبراهيم وسائر الأنبياء، واتباعًا لعقيدة الوثنيين، والجمع بين التثليث والتوحيد تناقض تحيله العقول، ولا يقبله أولوا الألباب.
{انْتَهُوا}؛ أي: امتنعوا وانزجروا عن مقالتكم بالتثليث .. يكن الانتهاء عن القول بالتثليث {خَيْرًا لَكُمْ} من القول به، أو المعنى: انتهوا عن التثليث،