وقولوا قولًا آخر خيرًا لكم منه، وهو قول جميع النبيين والمرسلين الذين جاؤوا بتوحيد الله وتنزيهه. {إِنَّمَا اللَّهُ}؛ أي: ما المستحق للعبادة من جميع المخلوقات إلا {إِلَهٌ وَاحِدٌ} بالذات، منفرد في ألوهيته، منزه عن التعدد، فليس له أجزاء، ولا أقانيم، ولا هو مركب، ولا متحد بشيء من المخلوقات {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ}؛ أي: أسبحه تسبيحًا من أن يكون له ولد، أو سبحوه تسبيحًا من ذلك، تقدس الله سبحانه وتعالى على أن يكون له ولد، كما قلتم في المسيح: إنه ابنه، إنه هو عينه، فإنه تبارك وتعالى ليس له مماثل فيكون له منه زوج يتزوجها فتلد له ولدًا؛ لأن الولد جزء من الأب، وتعالى الله عن التجزئة، وعن صفات الحدوث، والتعبير (١) بالولد دون الابن - الذي يعبرون به في كلامهم - لبيان أنهم إذا كانوا يريدون الابن الحقيقي الذي يفهم من هذا اللفظ .. فلا بد أن يكون ولدًا؛ أي: مولودًا من تلقيح أبيه لأمه، وهذا محال على الله تعالى، وإن أرادوا الابن المجازي لا الحقيقي .. فلا خصوصية لعيسى في ذلك؛ لأنه قد أطلق في كتب العهد العتيق والعهد الجديد على إسرائيل وداود وغيرهما من الأخيار.
وقرأ الحسن:{إن يكون له ولد} - بكسر الهمزة، وضم النون من يكون - على أن: إنْ نافية؛ أي: ما يكون له ولد، فيفيد الكلام التنزيه عن التثليث والإخبار بانتفاء الولد، فالكلام جملتان، وفي قراءة الجمهور جملة واحدة. {لَهُ} سبحانه وتعالى {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ملكًا وعبيدًا، فمن كان مالكهما وما فيهما .. كان مالكًا لعيسى ومريم، وإذا كانا مملوكين له فكيف يتوهم كونهما له ولدًا وزوجة؟ أي: إنه سبحانه وتعالى ليس له ولد يصح أن يسمى ابنًا له حقيقة، بل له كل ما في السموات وما في الأرض خلقًا وملكًا، والمسيح من جملتها، كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)}. ولا فرق في هذا بين الملائكة والنبيين، وبين من خلقه ابتداء من غير أب ولا أم كالملائكة وآدم، ومن خلقه من أصل واحد كحواء وعيسى، ومن خلقه من الزوجين الذكر والأنثى، فكل هؤلاء عبيده يحتاجون إلى فضله وكرمه وجوده،