للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن الملائكة حملوه ودفنوه، ولم يطلع على موضع قبره أحد إلا الرخم، فجعله أصم أبكم.

وأما وفاة موسى عليه السلام، فقال ابن إسحاق: كان صفي الله موسى عليه السلام قد كره الموت وأعظمه، فأراد الله تعالى أن يحبب إليه الموت، فنبأ يوشع بن نون، فكان موسى يغدو ويروح إليه ويقول له: يا نبي الله ما أحدث الله إليك؟ فيقول له يوشع: يا نبى الله ألم أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء مما أحدث الله إليك، حتى كنت أنت تبتدىء به، وتذكره لي، ولا يذكر له شيئًا؟ فلما رأى موسى ذلك، كره الحياة وأحب الموت.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرسل ملك الموت إلى موسى، فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت؟ فرد الله عليه عينه وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده من شعرة سنة، قال: أي رب ثم مه؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلو كنت ثَم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر". متفق عليه.

وفي رواية لمسلم قال: جاء ملك الموت إلى موسى، فقال: أحب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها. ثم ذكر معنى ما تقدم. قال النواوي: قال المازري: وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث، وأنكره تصوره، قالوا: كيف يجوز على موسى فقأ عين ملك الموت؟ وأجاب عنه العلماء بأجوبة:

أحدها: أنه لا يمتنع أن يكون الله قد أذن لموسى في هذه اللطمة، ويكون ذلك امتحانًا للملطوم، والله تعالى يفعل في خلقه ما يشاء، ويمتحنهم بما أراد.

والثاني: أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله تعالى، وظن أنَّه رجل قصده يريد نفسه، فدافعه عنها، فأدت المدافعة إلى فقأ عينه، لا أنه قصدها بالفقأ، وتؤيده رواية صكّه، وهذا جواب الإِمام أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين، واختاره المازري والقاضي عياض، قالوا: وليس في الحديث تصريح