عمر وإبراهيم وابن أبي عبلة:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} بالنصب على الاشتغال وهي قراءة أيضًا. وقوله:{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} مفعولان لأجله معلّلان للقطع؛ أي: اقطعوا أيديهما مجازاة لهما على عملهما وكسبهما السيء، وتنكيلًا ومنعًا لغيرهما عن السرقة، ولا عبرة أعظم من قطع اليد، الذي يفضح صاحبه طول حياته، ويسمه بميسم العار والخزي، ولا شك أن هذه العقوبة أجدر بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم وأرواحهم، فالأرواح كثيرًا ما تتبع الأموال إذا قاوم أهلها السراق وحاولوا منعهم من أخذها {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَزِيزٌ} أي غالب في انتقامه من هذا السارق والسارقة وغيرهما من أهل المعاصي، فلا معقب لحكمه لأنَّه القاهر على كل شيء {حَكِيمٌ} في صنعه وشرائعه وتكاليفه، فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة، فما أمر بأمر إلا وهو صلاح، ولا نهى عن أمر إلا وهو فساد، وكأنَّه يقول: شددوا على السراق فاقطعوهم يدًا يدًا، ورجلًا رجلًا. وقيل: معنى {حَكِيمٌ}؛ أي: يضع الشيء في محله، فلا يحكم بقطع يده ظلمًا؛ لأنَّ السارق لما خان هان، ولهذا أورد بعض اليهود على القاضي عبد الوهاب البغدادي سؤالًا حيث قال شعر:
فصل في بيان الأحكام المتعلقة بالآية وفيه خمس مسائل
المسألة الأولى: اقتضت هذه الآية وجوب القطع على كل سارق، وقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السرقة. وعن عائشة رضي الله عنها:"أن قريشًا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: من يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتشفع في حد من حدود الله! "، ثم قام فخطب ثم قال: "إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف .. تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف ..