فإذا سرق نصابًا من المال من حرزٍ لا شبهة له فيه .. قطعت يده اليمنى من الكوع، ولا يجب القطع بسرقة ما دون النصاب. وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن: القدر غير معتبر فيجب القطع في القليل والكثير، وكذا الحرز غير معتبر أيضًا عندهم، وإليه ذهب داود الظاهري، واحتجوا بعموم الآية، فإن قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} يتناول القليل والكثير، وسواء من حرز أو غير حرز.
المسألة الثالثة في الحرز: الحرز: هو ما جعل للسكنى وحفظ الأموال، كالدور والمضارب والخيم التي يسكنها الناس، ويحفظون أمتعتهم فيها، فكل ذلك حرز وإن لم يكن فيه حافظ ولا عنده، وسواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب أو مغلق، فأما ما كان في غير بناء ولا خيمة .. فإنَّه ليس بحرز، إلا أن يكون عنده من يحفظه. أما نباش القبور فإنَّه يقطع، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وقال ابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة: لا قطع عليه، فإن سرق شيئًا من غير حرز كثمر من بستان لا حارس له، أو حيوان في برية ولا راعٍ له، أو متاع في بيت منقطع عن البيوت .. فلا قطع عليه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: "من أصاب بفيه منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه"، أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي، وزاد فيه "ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثله والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثله والعقوبة"، قوله: غير متخذ خبنة - الخبنة بالخاء المعجمة وبعدها باء موحدة ثم نون - وهو ما يحمله الإنسان في حضنه، وقيل: هو ما يأخذه في خبنة ثوبه، وهو ذيله وأسفله، والجرين: موضع التمر الذي يجفف فيه مثل البيدر للحنطة.
وروى مالك في "الموطأ"، عن أبي حسين المكي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة الجبل، فإذا أواه المراح أو الجرين ..