للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: ولا تتركوا بيانها للناس والعمل بها رجاء منفعة دنيوية قليلة تأخذونها من الناس كرشوة أو جاه، أو غيرهما من الحظوظ العاجلة التي تصدكم عن الاهتداء بآيات الله، وتمنعكم عن الخير العظيم الذي تنالونه من ربكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}؛ أي: وكل من رغب عن الحكم بما أنزل الله وأخفاه، وحكم بغيره، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين بالتحميم، وكتمانهم الرجم وقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة، وفي بعضهم بنصف الدية، والله قد سوى بين الجميع في الحكم {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} الذين ستروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبينه، وغطوه وأظهروا لهم غيره، وقضوا به. وعبارة، "المراح" هنا: قال ابن عباس: ومن لم يبين ما بين الله تعالى في التوراة من نعت محمَّد، وآية الرجم .. فأولئك هم الكافرون بالله والرسول والكتاب. وقال عكرمة: أي: ومن لم يحكم بما أنزل الله، منكرًا له بقلبه، وجاحدًا له بلسانه .. فقد كفر. أمَّا من عرف بقلبه كونه حكم الله وأقر بلسانه ذلك إلا أنَّه حكم بضده .. فهو ظالم فاسق لتركه حكم الله تعالى. انتهت. وخلاصة المعنى: ومن لم يحكم بما أنزل الله مستهينًا به منكرًا له .. كان كافرًا لجحوده به، واستخفافه بأمره، وإنما ذكر (١) الكفر هنا لأنَّه يناسب المقام؛ لأنَّه جاء عقب قوله: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} وهذا كفر، فناسب ذكر الكفر هنا، والإشارة بقوله {أُولَئِكَ} إلى من، والجمع باعتبار معناها، وكذلك ضمير الجماعة في قوله: {هُمُ الْكَافِرُونَ}.

فصل

واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآيات الثلاث فيه (٢)، وهي قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. فقال


(١) الفتوحات.
(٢) الخازن.