للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يصاب بشيء من جسده فيتصدق به .. إلا رفعه الله به درجة، وحط عنه به خطيئة". أخرجه الترمذي. وعن أنس قال: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) أخرجه أبو داود والنسائي. وعن عبد الله بن عمر: تهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق به. وروى عبادة بن الصامت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تصدق من جسده، بشيء .. كفر الله تعالى عنه بقدره من ذنوبه". والقول الثاني: في أن الضمير في قوله له يعود إلى الجارح أو القاتل، يعني أن المجني عليه إذا عفا عن الجاني .. كان ذلك العفو كفارة لذنب الجاني لا يؤاخذ به في الآخرة، وهذا قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل، كما أن القصاص كفارة، وأمَّا أجر العافي فعلى الله تعالى.

قال ابن القيم: والتحقيق أن القاتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله تعالى، وحق للمقتول، وحق للولي، فإذا سلم القاتل نفسه طوعًا واختيارًا إلى الولي ندمًا على ما فعل، وخوفًا من الله تعالى، وتوبة نصوحًا .. سقط حق الله تعالى بالتوبة، وحق الأولياء بالاستيفاء أو الصلح أو العفو، وبقي حق للمقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده، ويصلح بينه وبينه انتهى.

ولو سلم القاتل نفسه اختيارًا من غير ندم وتوبة، أو لم يمكن من نفسه بل قتل كرهًا .. سقط حق الوارث فقط، وبقي حق الله تعالى؛ لأنه لا يسقط إلا بالتوبة، وبقي أيضًا حق المقتول، ويطالبه به في الآخرة لأن القاتل لم يسلم نفسه تائبًا، ولم يصل منه للمقتول شيء. {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} تعالى في القصاص، وفي غيره، نزلت (١) هذه الآية حين اصطلحوا على أنْ لا يقتل الشريف بالوضيع ولا الرجل بالمرأة {فَأُولَئِكَ} الممتنعون عن حكم الله {هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنفسهم، حيث لم يحكموا بما أنزل الله تعالى، الضارون لها بالعقوبة المؤبدة؛ أي: إن (٢) كل من أعرض عما أنزل من القصاص المبني على قاعدة المساواة بين الناس، وحكم بغيره .. فهو من الظالمين، إذ العدول عن ذلك لا يكون إلا بتفضيل أحد الخصمين على الآخر، وغمص حق المفضل عليه وظلمه.


(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.