وتقديم ختم قلوبهم؛ للإيذان بأنّها الأصل في عدم الإيمان، وتقديم حال السمع على حال أبصارهم؛ للاشتراك بينه وبين قلوبهم في تلك الحال. قالوا: السمع أفضل من البصر؛ لأنّه تعالى حيث ذكرهما، قدّم السمع على البصر، ولأنّ السمع شرط النبوة، ولذلك ما بعث الله تعالى رسولا أصمّ، ولأنّ السمع وسيلة إلى استكمال العقل بالمعارف إلى تتلقّف من أصحابها.
وقوله:{وَعَلى سَمْعِهِمْ} معطوف على قوله: {عَلى قُلُوبِهِمْ}، فالوقف عليه تامّ، وما بعده جملة اسمية. وقوله:{وَعَلى أَبْصارِهِمْ} خبر مقدم، جمع بصر، وهو إدراك العين، وقد يطلق مجازا على القوة الباصرة وعلى العضوين، وهو المراد ههنا؛ لأنّه أشدّ مناسبة للتغطية. {غِشاوَةٌ} مبتدأ مؤخر، أي: غطاء عظيم، وساتر جسيم، فلا يبصرون الحقّ، وفي الحقيقة لا تغشية، وإنّما المراد بها: إحداث حالة
تجعل أبصارهم بسبب كفرهم لا تجتلي الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق، كما تجتليها أعين المستبصرين، وتصير كأنّها غطّي عليها، وحيل بينها وبين الإبصار. ومعنى التنكير: أنّ على أبصارهم ضربا من الغشاوة خارجا مما يتعارفه الناس، وهي غشاوة التعامي عن الآيات.
ولما اشترك السمع والقلب في الإدراك من جميع الجوانب، جعل ما يمنعهما من خاصّ فعلهما الختم الذي يمنع من جميع الجهات، وإدراك الأبصار لما كان مما اختصّ بجهة المقابلة، جعل المانع لها من فعلها الغشاوة المختصة بتلك الجهة.
وإنّما خصّ سبحانه وتعالى هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر؛ لأنّها طرق للعلم، فالقلب محلّ العلم، وطريقه: إما السماع، وإما الرؤية. اه. كرخي. وقال في «التيسير»: إنّما ذكر في الآية القلوب، والسمع، والأبصار؛ لأنّ الخطاب كان باستعمال هذه الثلاثة في الحقّ، كما قال تعالى:{أَفَلا تَعْقِلُونَ}{أَفَلا تُبْصِرُونَ}{أَفَلا تَسْمَعُونَ} اهـ.
{وَلَهُمْ} أي: ولهؤلاء الكفار المذكورين في الآخرة {عَذابٌ عَظِيمٌ} أي: عذاب شديد دائم لا ينقطع بسبب كفرهم وتكذيبهم بآيات الله تعالى. والعذاب