للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَاسْتَبْدَلَتْ بَعْدَهُ جَعْدًا أناملُهُ ... كَأنَّمَا وَجْهُهُ بِالْخَلِّ مَنْضُوْحُ

فمراد اليهود بقولهم هذا عليهم لعائن الله تعالى: إن الله بخيل، قال ابن عباس وعكرمة والضحاك: إن الله تعالى قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالًا، فلما بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وكذبوا به، ضيق الله عليهم المعيشة، فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء: يد الله مغلولة. وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه قال النباش بن قيس: يد الله مغلولة؛ أي: قال (١) هذا الكلام بعض منهم ونسبه إلى الأمة بناء على التكافل العام بين أفرادها، وكونها كالشخص الواحد، وأن الناس في كل زمان يعزون إلى الأمة ما يسمعون من بعض أفرادها، وقد جرت سنة القرآن أن ينسب إلى المتأخرين ما قال أو فعله سلفهم منذ قرون. ولا عجب في صدور هذا القول من بعض الأشخاص منهم، فإنا نرى من المسلمين في عصرنا هذا مثله في الشكوى من الله عَزَّ وَجَلَّ والاعتراض عليه عند الضيق، وفي إبان المصائب، فأجاب الله سبحانه وتعالى ودعا عليهم بالبخل والطرد من رحمته فقال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}؛ أي: ربطت أيديهم إلى الأعناق بالأغلال بالأسر في الدنيا وفي الآخرة معذبين بأغلال جهنم {وَلُعِنُوا}؛ أي: وطردوا من رحمة الله تعالى وعذبوا في الدنيا بالجزية وفي الآخرة بالنار (بـ) سبب (ما قالوا)؛ أي: بسبب قولهم يد الله مغلولة. أو المعنى (٢): أمسكت أيديهم عن كل خير وطردوا عن رحمة الله تعالى. قال الزجاج: رد الله عليهم فقال: أنا الجواد الكريم وهم البخلاء، وأيديهم هي المغلولة الممسوكة، وقيل: هذا دعاء على اليهود علمنا الله كيف ندعوا عليهم فقال: غلت أيديهم؛ أي: في نار جهنم، فعلى هذا هو من الغل حقيقة؛ أي: شدت أيديهم إلى أعناقهم، وطرحوا في النار جزاء لهم على هذا القول، ومعنى لعنوا بما قالوا عذبوا بسبب ما قالوا، فمن لعنتهم أنهم مسخوا في الدنيا قردة وخنازير، وضربت عليهم الذلة والمسكنة والجزية، وفي الآخرة لهم عذاب النار.


(١) المراغي.
(٢) الخازن.