للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ أبو السمال بسكون العين في قوله (١): {وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} كما قال في عصر عصرون، وقال الشاعر:

لَوْ عَصرْنَا مِنْهُ البَا ... نَ وَالْمِسْكَ انْعَصَرْ

ويحسن هذه القراءة أنها كسرة بين ضمتين، فحسن التخفيف، وقرأ عبد الله: (بسيطتان)، يقال: يد بسيطة مطلقة بالمعروف، وفي مصحف عبد الله: (بسطان). يقال: يده بسط بالمعروف، وهو على فعل، كما تقول ناقة صرح، ومشيه سجح.

{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي ليزيدن كثيرًا من اليهود والنصارى {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} من القرآن المشتمل على هذه الأحكام الحسنة {طُغْيَانًا}؛ أي: تماديًا على الطغيان والضلال {وَكُفْرًا}؛ أي: ثباتًا على الكفر والشرك، والمراد بالكثير منهم علماؤهم ورؤوساؤهم، وإنما قيد بالكثير لأن منهم من آمن، ومن لا يزداد إلا طغيانًا، وهذا الإعلام بالرسول - صلى الله عليه وسلم - بفرط عتوهم؛ أي: ليزيدن طغيانًا إلى طغيانهم، وكفرًا إلى كفرهم بما يسمعون من القرآن، كما يزداد المريض مرضًا من تناول الغذاء الصالح للأصحاء,؛ لأنهم كلما نزلت آية من القرآن كفروا بها، فازدادوا شدة في كفرهم وطغيانًا مع طغيانهم.

والمعنى (٢): أنَّ هذا الذي أنزلناه عليك أيها النبي من خفي أمور هؤلاء اليهود المعاصرين لك، ومن أحوال سلفهم وشؤون كتبهم وحقائق تاريخهم، هو من أعظم الأدلة على نبوتك، وكان ينبغي أن يجذبهم إلى الإيمان بك، إذ لولا النبوة والوحي ما علمت من هذا شيئًا، فلا تعرف الماضي لأنك أمي لم تقرأ الكتب، ولا تعرف الحاضر من مكرهم الخفي وكيدهم السري، لكنهم لطغيانهم وتجاوزهم الحدود في الكفر والحسد للعرب لم يجذبهم ذلك الإيمان, ولم يقربه إلا قليلًا منهم، ووالله ليزيدن ذلك كثيرًا منهم طغيانًا في بغضك، وعدواتك، وكفرًا بما جئت به.

وقال قتادة: حملهم حسد محمَّد - صلى الله عليه وسلم - والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.