للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمحمد ودينه. {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ}؛ أي: ألقينا وأوقعنا بين اليهود والنصارى، أو بين كل فريق من اليهود والنصارى {الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}؛ أي: الشحناء. قال أبو حيان: العداوة أخص من البغضاء, لأن كل عدو مبغض، وقد يبغض من ليس بعدو، انتهى

{إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فهي لا تنقطع أبدًا واليهود مع كونهم المديرين لأعظم الأعمال المالية، ولهم النفوذ والتأثير في السياسة وسائر شؤون الاجتماع، مبغوضون لجماهير النصارى، وقيل: ألقى ذلك بين طوائف اليهود، فجعلهم مختلفين في دينهم متعادين متباغضين إلى يوم القيامة، فكل فرقة من اليهود تخالف الأخرى فلا يكاد تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أَقوالهم، فإن اليهود فرق، فإن بعضهم جبرية، وبعضهم قدرية، وبعضهم مرجئة، وبعضهم مشبهة، وكذا النصارى فرق، كالملكانية، والنسطورية، واليعقوبية، والماردانية.

فإن قلت: فهذا (١) المعنى أيضًا حاصل بين فرق المسلمين فكيف يكون ذلك عيبًا على اليهود والنصارى حتى يذموا به؟.

قلت: هذه البدع التي حصلت في المسلمين إنما حدثت بعد عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصر الصحابة والتابعين. أما في الصدر الأول فلم يكن شيء من ذلك حاصلًا بينهم، فحسن جعل ذلك عيبًا على اليهود والنصارى في ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

{كُلَّمَا أَوْقَدُوا} وأشعلوا {نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} وأخمدها سبحانه وتعالى؛ أي: كلما هموا بالكيد للرسول والمؤمنين الصادقين .. خذلهم الله تعالى، وهم إما يخيبوا في سعيهم، ولا يتم لهم ما أرادوا من الإغراء والتحريض، وإما أن ينصر الله رسوله والمؤمنين.

يعني كلما (٢) أفسد اليهود وخالفوا حكم الله .. يبعث الله عليهم من يهلكهم، أفسدوا أولًا فبعث الله عليهم بختنصر البابلي، ثم أفسدوا فبعث الله


(١) الخازن.
(٢) الخازن.