للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليهما السلام، فسلط الله عليهم من سامهم الخسف وأوقع بهم البوار والدمار، فجاس البابليون بختنصر وأعوانه خلال ديارهم، وأحرقوا المسجد الأقصى، ونهبوا أموالهم، وسبوا أولادهم ونساءهم، وسلبوهم أموالهم وثلوا عروش ملكهم، وقتلوا منهم أربعين ألفًا ممن يقرأ التوراة، وذهبوا بالبقية إلى أرضهم بابل، فبقوا هناك دهرًا طويلًا على أقصى الذل، إلى أن أحدثوا توبة صحيحة {ثُمَّ} رحمهم الله تعالى فتابوا و {تَابَ اللَّهُ} تعالى {عَلَيْهِمْ}؛ أي: على بني إسرائيل حين تابوا وأقلعوا عن الفساد، وأعاد إليهم ملكهم وعزهم على يد ملك من ملوك الفرس، إذ جاء إلى بيت المقدس وعمره؛ ورد من بقي من بني إسرائيل في أسر بختنصر إلى وطنهم، ورجع من تفرق في الأقطار، فاستقروا وكثروا وكانوا كأحسن ما كانوا أولًا.

{ثُمَّ عَمُوا} عن إبصار الحق {وَصَمُّوا} عن سماعه مرة أخرى، وعادوا إلى ظلمهم وفسادهم في الأرض، وقتلوا الأنبياء بغير حق، فقتلوا زكريا ويحيى، وأرادوا قتل عيسى عليه السلام، فسلط الله عليهم الفرس، ثم الروم، فأزالوا ملكهم واستقلالهم، ففعلوا بهم ما فعلوا. وفي قوله: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} إشارة إلى أن عمى البصيرة والصمم عن المواعظ لم يكن للجميع بل كان للكثير منهم، والله تعالى يعاقب الأمم بذنوبها إذا كثرت وشاعت فيها، إذ العبرة بالغالب لا بالأقل النادر الذي لا يؤثر في صلاح ولا فساد ومن ثُمّ قال تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}. وقرأ (١) النخعي وابن وثاب بضم العين والصاد في (عموا وصموا) وتخفيف الميم من عموا، إجراءًا لهما مجرى زكم الرجل ونحوه من الأفعال المبنية للمفعول لفظًا لا معنى، أو على أنَّ المعنى: إنَّ الله عماهم وصمهم؛ أي: رماهم بالعمى والصمم، وهو قليل، واللغة الفاشية أعمى وأصم ذكره "البيضاوي". وقرأ ابن أبي عبلة: (كثيرًا منهم) بالنصب، وقرأ الجمهور بالرفع على أنَّه بدل من فاعل (عموا وصموا).


(١) البحر المحيط.