للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمور الغيبية والأسرار الخفية {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ}؛ أي: إن يظهر لكم حكمها أو يبين لكم حقيقتها {تَسُؤْكُمْ}؛ أي: تحزنكم وتغمكم بشدة تكاليفها وكثرتها، كسؤالهم عن الحج هل هو واجب في العمر مرة أو كل عام مرة؟ أو تسؤكم بظهور حقائق تفضح أهلها؛ كسؤال رجل عن أبيه بعد موته أين هو؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه في النار". {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا}؛ أي: وإن تسألوا عن جنس تلك الأشياء التي من شأنها أن يكون إبداؤها مما يسوءكم {حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ}؛ أي: حين يمكن تنزيل القرآن في شأنها، أو في حكمها، وهو زمان حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - {تُبْدَ لَكُمْ}؛ أي: فإن الله يبديها ويظهرها لكم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

وعبارة الشوكاني هنا قوله: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}؛ أي (١): لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسؤال عنها، ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم فقوله: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} في محل جر صفة لأشياء؛ أي: لا تسألوا عن أشياء متصفة بهذه الصفة من كونها إذا بدت لكم؛ أي: ظهرت وكلفتم بها .. ساءتكم؛ نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن السؤال عما لا يعني ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سببًا لإيجابه على السائل وعلى غيره. وقوله: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} هذه الجملة من جملة صفة أشياء، والمعنى: لا تسألوا عن أشياء إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن، وذلك مع وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أظهركم، ونزول الوحي عليه {تُبْدَ لَكُمْ}؛ أي: تظهر لكم بما يجيب به لكم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ينزل به الوحي، فيكون ذلك سببًا للتكاليف الشاقة، وإيجاب ما لم يكن واجبًا، وتحريم ما لم يكن محرمًا، بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي بموت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا إيجاب ولا تحريم يتسبب عن السؤال. انتهت.

قال الحافظ ابن كثير (٢): أي لا تستأنفوا السؤال عنها، فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق، وقد ورد في الحديث: "أعظم المسلمين جرمًا من سأل


(١) فتح القدير.
(٢) ابن كثير.