للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قصة إذ يقول الله سبحانه يوم القيامة لعيسى ابن مريم: اذكر (١) بقلبك أو بلسانك إنعامي عليك وعلى والدتك حين تأييدي إياك بروح القدس، وتكليمك الناس في المهد بما يبرِّىء أمك من قول الآثمين الذين أنكروا عليها أن يكون لها غلام من غير زوج يكون أبًا له، وذلك قوله: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا}، وكهلًا حين بعثت فيهم رسولًا؛ تقيم عليهم الحجة في ما ضلوا به عن الصراط المستقيم.

وفائدة هذا القصص: تنبيه النصارى الذين كانوا عمر التنزيل إلى قبح مقالتهم، وسوء معتقدهم؛ لأن طعن سائر الأمم كان مقصورًا على الأنبياء، وطعن هؤلاء تعدى إلى جلال الله وكبريائه؛ إذ وصفوه بما لا يليق به من اتخاذ الزوجة والولد.

وقوله: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ} معطوف على قوله: {إِذْ أَيَّدْتُكَ}؛ أي: واذكر نعمتي عليك وقت تعليمي إياك {الْكِتَابَ}؛ أي: الكتابة والخط، أو المراد (٢): جنس الكتاب، فيكون ذكر التوراة والإنجيل من ذكر الخاص بعد العام، وتخصيصهما بالذكر؛ لمزيد اختصاصه بهما، أما التوراة: فقد كان يحتج بها على اليهود في غالب ما يدور بينه وبينهم من الجدال، كما هو مصرَّح بذلك في الإنجيل، وأما الإنجيل: فلكونه نازلًا عليه من عند الله سبحانه وتعالى {و} علمتك {الْحِكْمَةَ}؛ أي: الفهم والاطلاع على أسرار العلوم النظرية والعملية {و} علمتك {التَّوْرَاةَ} التي أنزلتها على موسى {وَالْإِنْجِيلَ} الذي أنزلته عليك.

وذِكر الكِتابين (٣)؛ إشارة إلى الأسرار التي لا يطلع عليها أحد إلا أكابر الأنبياء عليهم السلام، فإن الاطلاع على أسرار الكتب الإلهية لا يحصل إلا لمن صار ربانيًّا في أصناف العلوم الشرعية والعقلية الظاهرة التي يبحث عنها العلماء.

{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي}؛ أي: واذكر نعمتي عليك؛ إذ


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.