الكهولة، فكان جبريل يسير معه حيث سار، يعينه على الحوادث التي تقع، ويلهمه المعارف والعلوم.
وعبارة "الخازن" هنا: {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} يعني: بجبريل عليه السلام؛ لأن القدس هو الله تعالى؛ لأنه مصدر بمعنى: المقدس؛ أي: المطهر عن النقائص، وأضافه إليه على سبيل التشريف والتعظيم، كإضافة بيت الله وناقة الله. وقيل: أراد بروح القدس الروح المطهرة؛ لأن الأرواح تختلف باختلاف الماهية، فمنها روح طاهرة مقدسة نورانية، ومنها روح خبيثة كدرة ظلمانية، فخصَّ الله عيسى بالروح المقدسة الطاهرة النورانية المشرقة، وقد عدد عليه من النعم سبعًا: إذ أيدتك، وإذ علمتك، وإذ تخلق، وإذ تبرىء، وإذ تخرج الموتى، وإذ كففت، وإذ أوحيت.
وقرأ الجمهور:{أَيَّدْتُكَ} بتشديد الياء من باب فعَّل المضعف. وقرأ مجاهد وابن محيصن:{آيدتك} فوزن هذه القراءة يحتاج في معرفته إلى نقل مضارعه من كلام العرب، فإن كان يؤايد .. فوزنه: فاعل، وإن كان يؤيد .. فهو أفعل، وجملة قوله:{تُكَلِّمُ النَّاسَ} مبينة لمعنى التأييد، و {فِي الْمَهْدِ} في محل النصب على الحال؛ أي: تكلم الناس حالة كونك طفلًا صغيرًا في الحجر والسرير بقولك: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}، الآية {و} حالة كونك {كَهْلًا}؛ أي: في زمن الكهولة؛ الزمن بين الثلاثين والأربعين؛ أي: تكلم الناس حال كونك صبيًّا وكهلًا، لا يتفاوت كلامك في الحالتين، مع أن غيرك يتفاوت كلامه فيهما تفاوتًا بينًا، وهذه معجزة عظيمة، وخاصة شريفة ليست لأحد قبله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما (١): أرسل الله عيسى عليه السلام وهو ابن ثلاثين سنة، فمكث في رسالته ثلاثين شهرًا، ثم رفعه الله إليه، فذكر تكليمه في حال الكهولة لبيان أن كلامه في تينك الحالين كان على نسق واحد بديع، صادر عن كمال العقل والتدبير، ذكره "أبو السعود". والمعنى: اذكر يا محمد لأمتك