يتغنّ بالقرآن»، أخرجه مسلم. وبقول أبي موسى للنبي صلّى الله عليه وسلم:(لو أعلم أنّك تستمع قراءتي لحبّرته لك تحبيرا). وبما رواه عبد الله بن مغفّل، قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، عام الفتح في مسير له، (سورة الفتح) على راحلته، فرجّع في قراءته.
وممّن ذهب إلى هذا أبو حنيفة، وأصحابه، والشافعيّ، وابن المبارك، والنضر بن شميل، وهو اختيار أبي جعفر الطبري، وأبي الحسن بن بطّال، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم. قلت:
القول (١) الأول أصحّ لما ذكرناه ويأتي، وأمّا ما احتجّوا به من الحديث الأوّل؛ فليس على ظاهره؛ وإنّما هو من المقلوب، أي: زيّنوا أصواتكم بالقرآن. قال الخطّابي، وكذا فسّره غير واحد من أئّمة الحديث. (زيّنوا أصواتكم بالقرآن) وقالوا: هو من المقلوب، كما قالوا: عرضت الحوض على الناقة؛ وإنّما هو عرضت الناقة على الحوض. قال: ورواه معمر، عن منصور، عن طلحة، فقدّم الأصوات على القرآن، وهو الصحيح. قلت: وهذا الخلاف ما لم يمنع فهم معنى القرآن بترديد الأصوات، وكثرة التّرجيعات، فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه، فذلك حرام باتفاق، كما يفعل القرّاء بالديار المصريّة، الذين يقرؤون أمام الملوك والجبابرة، ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز، ضلّ سعيهم وخاب عملهم، فيستحلّون بذلك تغيير كتاب الله، ويهوّنون على أنفسهم الاجتراء على الله، بأن يزيدوا في تنزيله ما ليس فيه، جهلا