«ملك من الملائكة بيده مخاريق» جمع مخراق: آلة تزجر الملائكة بها السحاب مثل السوط من نار، «يسوق بها السحاب حيث شاء الله»، قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال:«زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر»، قالت: صدقت. الحديث بطوله، وفي إسناده مقال. فالمراد بالرعد في هذه الآية: صوت ذلك الملك لا عينه، كما في بعض الروايات: من أنّ الرعد: ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر، وأنّه يجوز الماء في نقرة إبهامه، وأنّه يسبّح الله، فإذا سبّح الله لا يبقى ملك في السماء إلّا رفع صوته بالتسبيح، فعندها ينزل المطر.
قال القرطبيّ: وعلى هذا التفسير أكثر العلماء، والمشهور عند الحكماء: أنّ الرعد يحدث من اصطكاك أجرام السحاب بعضها ببعض، أو من إقلاع بعضها عن بعض عند اضطرابها بسوق الرياح إياها سوقا عنيفا، وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين تبعا للفلاسفة، وجهلة المتكلمين.
{وَبَرْقٌ} وهو لمعان يظهر من السحاب إذا تحاكّت أجزاؤه، أو عند ضرب الملك السحاب بالمخاريق عند سوقه، وهي جمع مخراق، كما مرّ آنفا، والمخراق في الأصل: ثوب يلفّ، ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، وهي هنا: آلة تزجر بها الملائكة السحاب. وكونهما؛ أي: الرعد والبرق في الصيّب مع أنّ مكانهما السحاب، باعتبار كونهما في أعلاه ومنصبّه، وملتبسين في الجملة ووصول أثرهما إليه، فهما فيه.
والضمائر في قوله:{يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ} للمضاف المحذوف في قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ} لأنّ التقدير: أو كأصحاب صيّب، كما مرّ. وهو وإن حذف لفظه وأقيم الصيب مقامه، لكن معناه باق، فيجوز أن يعود عليه الضمير، ولا محلّ لهذه الجملة؛ لكونها مستأنفة استئنافا بيانيا، لأنّه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن الشدة والهول، فكأنّ قائلا قال: كيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل: يجعلون أصابعهم في آذنهم، والمراد: أناملهم، وفيه من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل، كأنّهم يدخلون من شدّة الحيرة أصابعهم كلّها في آذانهم لا أناملها