للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فحسب، كما هو المعتاد. ويجوز (١) أن يكون هذا إيماء إلى كمال حيرتهم، وفرط دهشتهم، وبلوغهم إلى حيث لا يهتدون إلى استعمال الجوارح على النهج المعتاد، وكذا الحال في عدم تعيين الأصبع المعتاد؛ أعني: السبّابة. وقيل: لرعاية الأدب؛ لأنّها فعّالة من السبّ، فكأن اجتنابها أولى بآداب القرآن. ألا ترى أنّهم قد استبشعوها فكنوا عنها بالمسبحة والمهلّلة، وغيرهما، ولم يذكر من أمثال هذه الكنايات؛ لأنّها ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد.

وإطلاق الأصبع على بعضها - وهو الأنملة - مجاز مشهور، والعلاقة الجزئية والكلية؛ لأنّ الذي يجعل في الأذن، إنما هو رأس الأصبع لا كلها.

وقوله: {مِنَ الصَّواعِقِ} متعلّق بيجعلون؛ أي: يجعلون من أجل خوف الصواعق المقارنة للرعد. والصواعق (٢): ويقال لها: الصواقع، جمع صاعقة، وهي قطعة نار، تنفصل من مخراق الملك الذي يزجر السحاب عند غضبه على السحاب وشدة ضربه لها، كما روي: إذا اشتدّ غضبه على السحاب طارت من فيه النار، فتضطرب أجرام السحاب، وترتعد. اه. «كرخي».

ويدلّ على ذلك: ما في حديث ابن عباس الذي ذكرنا بعضه قريبا، وبه قال كثير من علماء الشريعة، ومنهم من قال: إنها نار تخرج من فم الملك، وقال الخليل: هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد، يكون معها أحيانا قطعة نار، تحرق ما أتت عليه. وقال أبو زيد: الصاعقة: نار تسقط من السماء في رعد شديد، وقال بعض المفسرين تبعا للفلاسفة: ومن قال بقولهم: إنّها نار لطيفة

تنقدح من السحاب إذا اصطكّت أجرامها، وسيأتي في (سورة الرعد) إن شاء الله تعالى في تفسير الرعد، والبرق، والصواعق، ماله مزيد فائدة وإيضاح.

وقوله: {حَذَرَ الْمَوْتِ} منصوب (٣) بيجعلون على أنّه مفعول لأجله؛ أي:


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) البروسوي.