للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَنْهُمْ}؛ أي: فصد عنهم بوجهك، وقم ولا تقعد معهم {حَتَّى يَخُوضُوا} ويشرعوا {فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}؛ أي: حديث غير التكذيب والاستهزاء بآياتنا، ويصح عود الضمير على الآيات نظرًا لمعناها؛ لأنها بمعنى الحديث والقول، ذكره أبو البقاء. قال المراغي: والمخاطب (١) بالآية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن كان معه من المؤمنين، ثم المؤمنون في كل زمان؛ أي: وإذا رأيت أيها الرسول، أو أيها المؤمن، الذين يخوضون في آياتنا المنزلة من الكفار المكذبين، أو من أهل الأهواء المفرقين .. فصد عنهم بوجهك، وقم ولا تجلس معهم حتى يخوضوا في حديث غير الكفر بآيات الله، والاستهزاء بها من جانب الكفار، أو تأويلها بالباطل من جانب أهل الأهواء؛ وتأييدًا لما استحدثوا من مذاهب وأراء، وتفنيدًا لأقوال خصومهم بالشغب والجدل والمراء، وإذا خاضوا في غير ذلك .. فلا ضير في القعود معهم.

وسِرُّ (٢) هذا النهي: أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم يغريهم في التمادي فيما هم فيه، ويدل على الرضا به والمشاركة فيه، والمشاركة في ذلك كفر ظاهر لا يرتكبه إلا كافر مجاهر، أو منافق مراء، كما أنَّ في التأويل لنصر البدع والآراء الفاسدة فتنةً في الدين، لا تنقص عن الأولى ضررًا، فإن أربابها تغشهم أنفسهم بأنهم ينصرون الحق ويخدمون الشرع، ومن ثم حذر السلف من مجالسة أهل الأهواء أشد مما حذروا من مجالسة الكفار؛ إذ لا يخشى على المؤمن من فتنة الكافر مقدار ما يخشى من فتنة المبتدع. ومن الناس من يحرفون آيات الله على مواضعها بهواهم؛ ليكفروا بها مسلمًا، أو يضلِّلوا بها مهتديًا، بغيًا عليه وحسدًا له.

وفي (٣) هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه، فأقل الأحوال


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.