للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن يترك مجالستهم، وذلك يسير عليه غير عسير، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر. وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه، وبلغت إليه طاقتنا، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها .. علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه، فيعمل بذلك مدة عمره، ويلقى الله به معتقدًا أنه من الحق، وهو من أبطل الباطل، وأنكر المنكر. {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ}؛ أي: وإن أنساك الشيطان بوسوسته نهينا إياك عن مجالسة الخائضين في آيات الله بعد تذكرك أولًا، وقعدت معهم وهم على تلك الحال، ثم ذكرت بعد ذلك .. {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى}؛ أي: بعد تذكرك النهي {مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} لأنفسهم بتكذيب آيات ربهم والاستهزاء بها بدلًا من الإيمان بها والاهتداء بهديها؛ أي: فقم عنهم ولا تجلس معهم بعد ذلك. وإنما (١) أبرزهم ظاهرين تسجيلًا عليهم بصفة الظلم، وإلا فحق العبارة أن يقال: فلا تقعد معهم. وجاء في الشرط الأول بـ {إِذَا}؛ لأن خوضهم في الآيات محقق، وفي الشرط الثاني بـ {إن}؛ لأن إنساء الشيطان له ليس أمرًا محققًا، بل قد يقع وقد لا يقع، وهو معصوم منه، ولم يجىء مصدر على فعلى إلا ذكرى اهـ "سمين".

والخطاب (٢) في قوله: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمراد غيره، أو هو للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالذات، ولغيره بالتبع، كما هو الشأن في أحكام التشريع غير الخاصة به - صلى الله عليه وسلم -. ووقوع النسيان من الأنبياء بغير وسوسة من الشيطان لا خلاف في جوازه، قال تعالى لخاتم أنبيائه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} وثبت وقوعه من موسى عليه السلام: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}، ولكن الله عصمهم من نسيان


(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.