ثم أرشد إلى أنه لا ينفع في الآخرة إلا صالح العمل لا الشفعاء والوسطاء، فقال:{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ}؛ أي: وإن تفد تلك النفس المبسلة كل نوع من أنواع الفداء وتعطه {لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا}؛ أي: لا يقبل ذلك العدل والفداء منها، والمراد: أنه لا يقع الأخذ ولا يحصل، وهذا كقوله في سورة البقرة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)}.
والخلاصة (١): أن النفس المبسلة تمنع في ذلك اليوم من أي وسيلة من وسائل النجاة، فلا ولي ولا حميم ولا شفيع ولا فداء إلى نحو أولئك، مما ربما نفع في مقاصد الدنيا وأنجز بعض المنافع. وفي هذا إبطال لأصل من أصول الوثنية، وهو رجاء النجاة في الآخرة، كما هو الحال في الدنيا بتقديم الفدية لله تعالى، أو بشفاعة الشافعين ووساطة الوسطاء عنده تعالى، وتقرير لأصل ديني، وهو أن لا نجاة في الآخرة ولا رضوان من الله ولا قرب منه إلا بالعمل بما شرعه على ألسنة رسله من إيمان به، وعمل صالح يزكي النفس ويطهرها؛ أما من دس نفسه، وأبسله كسبه للسيئات والخطايا، واتخذ دين الله هزوًا ولعبًا، وغرته الحياة الدنيا، فلا تنفعه شفاعة، ولا تقبل منه فدية.
ثم بيَّن أن هذا الإبسال كان بسوء صنيعهم، فقال:{أُولَئِكَ} المتخذون دينهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا هم {الَّذِينَ أُبْسِلُوا} وحرموا الثواب، وأسلموا للعذاب، وحبسوا عن دار السعادة {بِمَا كَسَبُوا}؛ أي: بسبب ما كسبوا من الأوزار والآثام حتى أحاطت بهم خطاياهم، ولم يكن لهم من دينهم الذي اتخذوه زاجر ولا مانع يرشدهم إلى التحول عن تلك الأعمال القبيحة، ويصدهم عن العقائد الزائغة.
ثم بين سبحانه ما يكون من الجزاء حين أُبسلوا، فقال:{لَهُمْ}؛ أي: لهؤلاء المتخذين دينهم لعبًا ولهوًا {شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ}؛ أي: من ماء حار مغلي