للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}، ويقال: توفاه واستوفاه: أحصى عدده، ثم أطلق التوفي على الموت؛ لأن الأرواح تقبض وتؤخذ أخذًا تامًّا، وأطلق على النوم كما في الآية، وفي آية الزمر.

{وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} والجرح: يطلق على العمل والكسب بالجوارح، وعلى التأثير الدامي من السلاح، وما في معناه كالبراثن والأظفار والأنياب من سباع الطير والوحش، وتسمى الخيل والأنعام المنتجة جوارح أيضًا؛ لأن نتاجها كسبها، والجرح كالكسب، يطلق على الخير والشر، والاجتراح فعل الشر خاصة في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. وفي "المصباح": وجرح من باب نفع، واجترح عمل بيده واكتسب، ومنه قيل لكواسب الطير والسباع: جوارح جمع: جارحة؛ لأنها تكسب بيدها.

{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ}؛ أي: يوقظكم من النوم، وعرَّفوا النوم: بأنه فترة طبيعية تهجم على الشخص قهرًا عليه، تمنع حواسه الحركة، وعقله الإدراك.

{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} والحفظة: جمع: حافظ، مثل: كتبة وكاتب، وهو جمع (١) منقاس لفاعل وصفًا مذكرًا صحيح اللام عاقلًا، وقلَّ فيما لا يعقل، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":

وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ

والمراد بالحفظة هنا: الكرام الكاتبون من الملائكة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ}.

{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} والظلمات جمع: ظلمة، وهي عدم الضوء، وهي (٢) ضربان: ظلمات حسية؛ كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر، وظلمات معنوية؛ كظلمة الجهل بالمسالك والطرق، وظلمة فقد الأعلام والمنار، وظلمة الشدائد والأخطار؛ كالعواصف والأعاصير وهياج البحار إلى نحو ذلك من الشدائد التي تبطل الحواس، وتدهش العقول. قال الزجاج: تقول


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.