١ - أن بعض ضعاف الأحلام رأوا بعض مظاهر قدرته تعالى في بعض خلقه، فتوهموا أن ذلك ذاتي لهذا المخلوق، ليس خاضعًا لسنن الله في الأسباب والمسببات.
٢ - اتخاذ بعض المخلوقات ذات الخصوصية في مظاهر النفع والضر وسيلة إلى الإله الحق، تشفع عنده، وتقرب إليه كل من توجه إليها، فيتوسل ذو الحاجة إليها بدعائها وتعظيمها بالقول أو الفعل؛ لحمله تعالى بتأثيرها على قبوله وإعطائه سؤاله، وقد أقاموا مقام هذه المخلوقات التماثيل والأصنام والقبور وغيرها مما يذكّر بها، وهذه هي الوثنية الراقية التي كانت عليها العرب زمن البعثة، ومن ثمَّ كانوا يقولون في طوافهم بالبيت الحرام: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما مَلك.
وكان قوم إبراهيم عليه السلام قد ارتقوا في وثنيتهم إلى هذه المرتبة، إذ إنهم عقلوا أن الأصنام لا تسمع دعاءهم، ولا تبصر عبادتهم، ولا تقدر على نفعهم وضرهم، وإنما قلدوا فيها آباءهم كما سيأتي في حججهم في سورة الشعراء، ومن ثَمَّ اتخذوا الأصنام آلهة معبودين لا أربابًا مدبرين، لكنهم اتخذوا (١) الكواكب أربابًا لما لها من التأثير السببي في الأرض، فكانوا يعتقدون أن الشمس رب الناس، والقمر يدبر الملوك ويفيض عليهم روح الشجاعة والإقدام، وينصر جندهم ويخذل عدوهم، ويعتقدون أنَّ مرداخ - وهو المشتري - شيخ الأرباب، ورب العدل والأحكام، وحافظ الأبواب التي يدخلها الخصوم لفصل الخصومات، وأن رنكال - وهو المريخ - رب الصيد وسلطان الحرب، وأن عشتار - وهو الزهرة - ربة الغبطة والسرور والسعادة، وتمثل بصورة امرأة عارية، وأن - نيو - وهو عطارد - رب العلم والحكمة.
وجاء إبراهيم بحجته البالغة، فحصر العبادة في فاطر السموات والأرض