الشبه منتزعا من أمور متعدّدة، فقد شبّه في المثال الأول المنافق بالمستوقد للنار، وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار. وفي المثال الثاني شبّه الإسلام بالمطر؛ لأنّ القلوب تحيا به، كحياة الأرض بالمطر، وشبّه شبهات الكفّار بالظلمات، وما في القرآن من الوعد والوعيد، بالرعد والبرق، وما يصيب الكفرة من الفتن، والبلايا بالصواعق.
ومنها: المخالفة بين الضميرين، فقد وحّد الضمير في قوله:{اسْتَوْقَدَ} وفي قوله: {ما حَوْلَهُ} نظرا إلى جانب اللفظ؛ لأنّ المنافقين كلّهم على قول واحد وفعل واحد، وجمع في قوله:{بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ} رعاية للمعنى لكون المقام مقام تقبيح أحوالهم، وبيان صفاتهم وضلالهم، فإثبات الحكم لكلّ فرد منهم واقع.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} فقد شبّههم بالصمّ، والبكم، والعمي، وطوى ذكر المشبّه، وجعله بعضهم من التشبيه البليغ؛ أي: هم كالصمّ البكم العمي في عدم الاستفادة من هذه الحواس، فحذف أداة التشبيه ووجه الشبه، فصار تشبيها بليغا، وهو في كلامهم كثير، كقوله:
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ} حيث أطلق الأصابع، وأراد رؤوسها، فهو من إطلاق الكلّ وإرادة الجزء؛ لأنّ إدخال الأصبع كلّها في الأذن لا يمكن.
ومنها: جمع الأصابع إشارة إلى أنّه لم يرد أصبعا معيّنة؛ لأنّ الحالة حالة دهش وحيرة، فأيّة أصبع اتّفق لهم أن يسدّوا بها آذانهم، فعلوا غير معرّجين على ترتيب معتاد، أو تعيين مفترض.
ومنها: إفراد البرق والرعد، وجمع الصواعق، لكونهما في الأصل مصدرين، والمصادر لا تجمع. يقال: رعدت السماء رعدا وبرقت برقا، فراعى فيهما حكم الأصل، فترك جمعهما وإن أريد معنى الجمع، ولا يخفى أنّ من