للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقصارى (١) ذلك: أنه تعالى ما حرم عليهم من هذه الأنواع الأربعة، وأنهم كاذبون في دعوى التحريم، وقد فصل ذلك أتم التفصيل مبالغة في الرد عليهم، ثم زاد في الإنكار والتهكم بهم، فقال: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا}؛ أي: هل (٢) شاهدتم الله حرم هذا عليكم ووصاكم به؟ لا؛ أي: لم تكونوا شهداء، فإنكم لا تقرون بنبوة أحد من الأنبياء، فكيف تنبئون هذه الأحكام، وتنسبونها إلى الله تعالى.

و {أَمِ} (٣) هنا منقطعة بمعنى {بل}، وهمزة الإنكار، و {بل} للانتقال من توبيخهم بنفي العلم عنهم المستفاد من قوله: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إذ هو أمر تعجيز؛ أي: لا علم لكم بذلك إلى توبيخهم بنفي حضورهم وقت إيصائهم بالتحريم؛ أي: أعندكم (٤) علم يؤثر عن أحد من رسله، فتنبئوني به، أم شاهدتم ربكم، فوصاكم بهذا التحريم مشافهة بغير واسطة؛ كلا ما حصل هذا ولا ذاك، فما هو إلا محض افتراء على الله يقلد فيه بعضكم بعضا بقوله: إن الله حرم علينا كذا وكذا كما قال تعالى: {وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}.

والخلاصة: أنكم إذا لم تؤمنوا بنبي .. فلا طريق لكم إلى علم ذلك بحسب ما تقولون إلا أن تشاهدوا ربكم، وتتلقوا منه أحكام الحلال والحرام.

وبعد أن نفى الأمرين بالبرهان .. أثبت أنه افتراء على الله لإضلال عباده، وهو ظلم يجنيه الإنسان على نفسه وعلى غيره، ويجني سوء عاقبته، فقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} والاستفهام للإنكار؛ أي: لا أحد أشد ظلما ممن اختلق على الله كذبا بنسبة التحريم إليه {لِيُضِلَّ النَّاسَ} عن دين الله {بِغَيْرِ عِلْمٍ} ولا حجة حال (٥) من فاعل {يضل}؛ أي: ليضل الناس حال كونه متلبسا بغير علم بما يؤدي بهم إليه، أو حال من فاعل {افْتَرى}؛ أي: افترى على الله


(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) الفتوحات.
(٤) المراغي.
(٥) المراح.