تعالى جاهلا بصدور التحريم عنه تعالى؛ أي: فمن افترى عليه تعالى جاهلا بصدور التحريم عنه تعالى مع احتمال الصدور عنه كان أظلم ظالم، فما ظنك بمن افترى عليه تعالى؛ وهو يعلم أنه لم يصدر عنه.
أي: لا أحد أظلم منكم لأنكم من هؤلاء المفترين على الله بقصد الإضلال عن جهل تام.
والخلاصة: أن في ذلك تسجيل الغباوة عليهم، وعمى البصيرة باتباعهم محض التقليد من غير عقل ولا هوى، فإن عملهم ليس له إثارة من علم ولا قصد إلى شيء من الهدى إلى حق أو خير {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لا يَهْدِي}؛ أي: لا يوفق للرشاد {الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}؛ أي: لا يهدي أولئك المشركين؛ أي: لا ينقلهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان؛ أي: لا يهدي من افترى عليه الكذب، وقال عليه الزور والبهتان، ولا يهديه إلى الحق والعدل، لا من طريق الوحي، ولا من طريق العلم، بل يصده عن استعمال عقله فيما يهديه إلى الصواب، وعما فيه صلاحه عاجلا وآجلا، وهؤلاء كعمرو بن لحي وأضرابه.
وقد وجد في البشر (١)؛ ناس فكروا وبحثوا فيما يجب عليهم لله من الشكر والعبادة، واتباع الحق والعدل وفعل الخير بحسب ما يرشد إليه عقولهم، وأخطؤوا في بعض، وكانوا خير الناس للناس على حين فترة من الرسل كما فعل قصي؛ إذ وضع للعرب سننا حسنة كسقاية الحاج، ورفادتهم، وإطعامهم، وسن الشورى في مهام الأمور.