للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} فيما أوحاه إليّ؛ وهو سبحانه وتعالى وحده الذي له حق التحريم والتشريع، وأنا مبلغ بإذنه، وقد أرسلني بذلك. وخص التحريم بالذكر مع أن الوصايا أعم؛ لأن بيان المحرمات يستلزم حل ما عداها، وقد بدأها بأكبر المحرمات وأعظمها وأشدها إفسادا للعقل والفطرة؛ وهو الشرك بالله سواء أكان باتخاذ الأنداد له، أو الشفعاء المؤثرين في إرادته، أو بما يذكر بهم من صور وتماثيل وأصنام وقبور، أو باتخاذ الأرباب الذين يتحكمون في التشريع، فيحللون ويحرمون. وجملة ما تلاه عليهم عشرة بالإجمال:

الأول منها: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ} سبحانه وتعالى {شَيْئًا} من الأشياء، وإن عظمت في الخلق كالشمس والقمر والكواكب، أو في القدر كالملائكة والنبيين والصالحين، فإن عظمتها لا تخرجها عن كونها مخلوقة لله مسخرة له بقدرته وإرادته {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا} ومن الشرك أيضا أن يريد بعبادته رياء أو سمعة، ويلزم هذا أن تعبدوه وحده بما شرعه لكم على لسان رسوله لا بأهوائكم، ولا بأهواء أحد من الخلق أمثالكم.

والثاني: ما ذكره بقوله: {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا}؛ أي: وأن تحسنوا بالوالدين إحسانا تاما كاملا لا تدخرون فيه وسعا، ولا تألون فيه جهدا، وهذا يستلزم ترك الإساءة وإن صغرت، فما بالك بالعقوق الذي هو من أكبر الكبائر وأعظم الآثام، وقد جاء في القرآن غير مرة قرن التوحيد والنهي عن الشرك بالأمر بالإحسان إلى الوالدين.

وكفى (١) دلالة على عظم عناية الشارع بأمر الوالدين أن قرنه بعبادته، وجعله ثانيها في الوصايا، وأكده بما أكده به في سورة الإسراء، كما قرن شكرهما بشكره في سورة لقمان في قوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ} وما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله».


(١) المراغي.