للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد ببرهما احترامهما احترام المحبة والكرامة، لا احترام الخوف والرهبة؛ لأن في ذلك مفسدة كبيرة في تربية الأولاد في الصغر، وإلجاء لهم إلى العقوق في الكبر، وإلى ظلم الأولاد لهم كما ظلمهم آباؤهم، وليس لهما أن يتحكما في شؤونهم الخاصة بهم لا سيما تزويجهم بمن يكرهون، أو منعهم من الهجرة لطلب العلم النافع، أو لكسب المال والجاه إلى نحو ذلك. وإنما (١) ثنى بالوصية بالإحسان إلى الوالدين؛ لأن أعظم النعم على الإنسان نعمة الله؛ لأنه هو الذي أخرجه من العدم إلى الوجود، وخلقه وأوجده بعد أن لم يكن شيئا، ثم بعد نعمة الله نعمة الوالدين؛ لأنهما السبب في وجود الإنسان، ولما لهما عليه من حق التربية والنفقة والحفظ من المهالك في حال صغره.

والثالث: ما ذكره بقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}؛ أي: وأن لا تقتلوا أولادكم الصغار لفقر حل ونزل ووقع بكم؛ لأنهم كانوا يئدون البنات لخوف الفقر {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}؛ أي: فإن الله سبحانه وتعالى يرزقكم وإياهم؛ أي: يرزق أولادكم تبعا لكم، وجاء في سورة الإسراء: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}.

وسر اختلاف الأسلوبين (٢)، وتقديم رزق الأولاد هناك على رزق الوالدين على عكس ما هنا: أن ما هناك متعلق بالفقر المتوقع في المستقبل الذي يكون فيه الأولاد كبارا كاسبين، وقد يصير الوالدون في حاجة إليهم لعجزهم عن الكسب بالكبر، ففرق في تعليل النهي في الآيتين بين الفقر الواقع، والفقر المتوقع، فقدم في كل منهما ضمان رزق الكاسب للإيماء إلى أنه تعالى جعل كسب العباد سببا للرزق، لا كما يتوهم بعضهم، فيزهد في العمل بشبهة كفالته تعالى لزرقهم. وقيل اختلاف أسلوب الآيتين للتفنن، وعبارة الصاوي هنا: وإنما قال هنا: {إِمْلاقٍ} وقال في الإسراء: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}؛ لأن ما هنا في الفقر الحاصل بالفعل، وما في الإسراء في الفقر المتوقع، فهو خطاب للأغنياء، وقدم هنا خطاب الآباء، وهناك


(١) الخازن.
(٢) المراغي.