للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضمير الأولاد، فقيل: تفننا، وقيل: قدم هنا خطاب الآباء تعجيلا لبشارة الآباء الفقراء بأنهم في ضمان الله، وقدم هناك ضمير الأولاد لتطمئن الآباء بضمان رزق الأولاد، فهذه الآية تفيد النهي للآباء عن قتل الأولاد، وإن كانوا متلبسين بالفقر، والأخرى النهي عن قتلهم وإن كانوا موسرين، ولكن يخافون وقوع الفقر، انتهت.

الرابع: ما ذكره بقوله {وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ}؛ أي: ولا تقربوا كبائر الذنوب، وهي كل ما عظم قبحه منها سواء كان من الأفعال كالزنا، أو من الأقوال كقذف المحصنات الغافلات، وقوله: {ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} بدل من {الْفَواحِشَ} بدل تفصيل من مجمل، أو بدل اشتمال؛ أي: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش للناس كالزنا والقذف، وما بطن منها واستتر عن الناس كالسرقة. وقيل (١): الظاهر ما تعلق بأعمال الجوارح، والباطن ما تعلق بأعمال القلوب، كالكبر والحسد والتفكير في تدبير المكايد الضارة، وأنواع الشرور والمآثم.

وقيل: المراد بالفواحش هنا الزنا، وقوله: {ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} علانيته وسره؛ أي (٢): ما يفعل منها علانية في الحوانيت كما هو دأب أراذلهم، وما يفعل سرا باتخاذ الأخدان كما هو عادة أشرافهم، وإنما جمع الفواحش بمعنى الزنا للنهي عن أنواعها، ولذلك ذكر ما أبدل منها. وقد روي عن ابن عباس في تفسير الآية أنه قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بأسا بالزنا في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرم الله الزنا في السر والعلانية؛ أي: في هذه الآية وما أشبهها. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: ما ظهر منها: ظلم الناس، وما بطن منها: الزنا والسرقة؛ أي: لأن الناس يأتونهما في الخفاء. وروى عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» رواه البخاري ومسلم. وفي قوله: {ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} دقيقة، وهي أن الإنسان إذا احترز عن المعاصي في الظاهر، ولم يحترز منها في الباطن .. دل ذلك على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله تعالى


(١) المراغي.
(٢) المراح.