للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وطاعته فيما أمر به أو نهى عنه، ولكن لأجل الخوف من رؤية الناس ومذمتهم، ومن كان كذلك استحق العقاب، ومن ترك المعصية ظاهرا وباطنا لأجل خوف الله تعالى وتعظيما لأمره استوجب رضوان الله تعالى.

والخامس منها: ما ذكره بقوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ}؛ أي: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها بالإسلام، أو بالعهد بين المسلمين وغيرهم كأهل الكتاب المقيمين بيننا بعهد وأمان، وقد جاء في الحديث «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» وروى الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله .. فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا» وقوله: {إِلَّا بِالْحَقِّ}؛ أي: إلا قتلا متلبسا بالحق؛ فإنه مباح، إيماء إلى أن قتل النفس قد يكون حقا لجرم يصدر منها. عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه.

وإنما (١) أفرد قتل النفس بالذكر مع دخوله في جملة الفواحش تعظيما لأمر القتل وأنه من أعظم الفواحش والكبائر، وقيل: إنما أفرده بالذكر؛ لأنه تعالى أراد أن يستثني منه، ولا يمكن الاستثناء من جملة الفواحش إلا بإفراده بالذكر {ذلِكُمْ} التكاليف الخمسة من الأوامر والنواهي {وَصَّاكُمْ بِهِ}؛ أي: أمركم به ربكم أمرا مؤكدا {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}؛ أي: لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف في الدين والدنيا. والوصية (٢) في الأصل أن يعهد إلى إنسان بعمل خير، أو ترك شر، ويقرن ذلك بوعظ يرجى تأثيره؛ أي: أنه سبحانه وتعالى وصاكم بذلك ليعدكم، لأن تعقلوا الخير والمنفعة في فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه إذ هو مما تدركه العقول بأدنى تأمل.

وفي هذا تعريض بأن ما هم عليه من الشرك وتحريم السوائب وغيرها مما


(١) الخازن.
(٢) المراغي.