ومليكه وخالقه، فكيف يكون المملوك شريكا لمالكه {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ}؛ أي: ولا تحمل نفس ذنبا {إِلَّا} كان {عَلَيْها} جزاؤه لا على غيرها {وَلا تَزِرُ}؛ أي: ولا تعمل كل نفس {وازِرَةٌ}؛ أي: آثمة؛ أي: ولا غير وازرة أيضا {وِزْرَ أُخْرى}؛ أي: ذنب نفس أخرى؛ أي: فلا تحمل آثمة ولا طائعة ذنب غيرها، وإنما (١) قيد في الآية بالوازرة موافقة لسبب النزول، وهو أن الوليد بن المغيرة كان يقول للمؤمنين: اتبعوا سبيلي أحمل عنكم أوزاركم، وهو وازر وآثم إثما كبيرا. وفي الآية رد لما كانت عليه الجاهلية من مؤاخذة القريب بذنب قريبه، والواحد من القبيلة بذنب الآخر، وقد قيل: إن المراد بهذه الآية في الآخرة والأولى حمل الآية على ظاهرها؛ أعني: العموم، وما ورد من المؤاخذة بذنب الغير كالدية التي تحملها العاقلة، ونحو ذلك .. فيكون في حكم المخصص بهذا العموم، ويقر في موضعه، ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ} فإن المراد بالأثقال التي مع أثقالهم هي أثقال الذين يضلونهم كما في الآية الأخرى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ذكره الشوكاني.
والخلاصة:
أن الدين أرشدنا أن نجري على ما أودعته الفطرة في النفوس من أن سعادة الناس وشقاءهم في الدنيا بأعمالهم، والعمل يؤثر في النفس التأثير الذي يزكيها إن كان صالحا، أو التأثير الذي يدسيها ويفسدها إن كان سيئا، والجزاء مبني على هذا التأثير، فلا ينتفع أحد، ولا يتضرر بعمل غيره.
ومن كان قدوة صالحة في عمل، أو معلما له .. فإنه ينتفع بعمل من أرشدهم بقوله أو فعله زيادة على انتفاعه بأصل ذلك القول أو الفعل، ومن كان قدوة سيئة في عمل، أو دالا عليه ومغريا به .. فإن عليه مثل إثم من فعله، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان