عليه وزرها، ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». رواه مسلم.
وهذه قاعدة من أصول كل دين بعث الله به رسله كما جاء في سورة النجم: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (٣٩)}. وهذه الوصية من أعظم دعائم الإصلاح في المجتمع البشري، وهادمة لأسس الوثنية، وهادية للناس جميعا إلى ما تتوقف عليه سعادتهم في الدنيا والآخرة، فإن العمل وحده هو وسيلة الفوز وطريق النجاة، لا كما يزعم الوثنيون من طلب رفع الضر وجلب النفع بقوة من وراء الغيب، وهي وساطة بعض المخلوقات الممتازة ببعض الخواص والمزايا بين الناس وربهم ليعطيهم ما يطلبون في الدنيا بلا كسب ولا سعي من طريق الأسباب التي جرت بها سنته في خلقه، وليحملوا عنهم أوزارهم حتى لا يعاقبوا بها، أو ليحملوا الخالق على رفعها عنهم، وترك عقابهم عليها، وعلى إعطائهم نعيم الآخرة، وإنقاذهم من عذابها.
ومما ينتفع به المرء من عمل غيره - لأنه في الحقيقة كأنه عمله، إذ كان سببا فيه - دعاء أولاده وحجهم وتصدقهم عنه وقضاؤهم لصومه، كما ورد في الحديث:«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة. ذاك أن الله قد ألحق ذرية المؤمنين بهم بنص الكتاب، وصح في السنة أن ولد الرجل من كسبه.
{ثُمَّ} بعد اختلافكم في الدنيا في الأديان والملل {إِلى رَبِّكُمْ} لا إلى غيره {مَرْجِعُكُمْ}؛ أي: رجوعكم يوم القيامة للمجازاة، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر {فَيُنَبِّئُكُمْ}؛ أي: يخبركم ويعلمكم {بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} في الدنيا من الأديان والملل، فيثيب المسلمين ويعذب الكافرين؛ أي: ثم إن رجوعكم في الحياة الآخرة إلى ربكم دون غيره مما عبدتم من دونه، فينبئكم بما كنتم تختلفون فيه من أمر أديانكم المختلفة، ويتولى جزاءكم عليه وحده بحسب علمه وإرادته القديمين،