للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أو من السموات، فإنه لا ينبغي أن يسكن فيها العصاة حالة كونك {مَذْؤُمًا}؛ أي: مذموما مبغوضا معيبا مهانا عند كل أحد. وفي «ابن كثير» قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ ما نعرف المذؤوم والمذموم إلا واحدا انتهى. وحالة كونك {مَدْحُورًا}؛ أي: مطرودا مبعدا من رحمتي، والأمر بالخروج هنا تأكيد لقوله سابقا: {فَاهْبِطْ مِنْها} وتوطئة لما بعده وعزتي وجلالي {لَمَنْ تَبِعَكَ} وأطاعك يا إبليس {مِنْهُمْ}؛ أي؛ من بني آدم ومن الجن، فاللام موطئة للقسم، واللام في قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} للقسم أيضا مؤكدة للّام الأولى؛ أي: والله لأملان وادي جهنم {مِنْكُمْ}؛ أي: منك ومنهم، فغلب ضمير الحاضر؛ لأنه رئيسهم، وقوله: {أَجْمَعِينَ} تأكيد لضمير المخاطبين، فهذا وعيد بالعذاب لكل من أطاع الشيطان، وترك طاعة الرحمن.

والمعنى: أقسم أن من يتبعك من بني آدم فيما تزينه له من الشرك والفجور، ويصدق ظنك عليه .. ليكونن معك في جهنم دار العذاب، ولأملأنها منك، وممن تبعك منهم أجمعين. وفي قوله: {مِنْهُمْ} إشارة إلى أن الملء يكون من بعضهم، فإن بعض من يتبعه في بعض المعاصي من المؤمنين الموحدين يغفر الله لهم، ويعفو عنهم، ونحو الآية قول في سورة ص: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.

وقرأ الزهري وأبو جعفر والأعمش (١): {مذوما} - بضم الذال من غير همز - فتحتمل هذه القراءة وجهين:

أحدهما - وهو الأظهر -: أن تكون من ذأم المهموز سهل، وحذفها وألقى حركتها على الذال.

والثاني: أن يكون من ذام يذيم - كباع يبيع - فأبدل الياء بواو كما قالوا: في مكيل مكول. وقرأ الجمهور: {لَمَنْ تَبِعَكَ} - بفتح اللام - والظاهر أنها اللام الموطئة للقسم، و {من} شرطية في موضع رفع على الابتداء، وجواب الشرط


(١) البحر المحيط.