والبشارة: الخبر السارّ الذي يظهر به أثر السرور في البشرة، والتبشير: الإخبار بما يظهر أثره على البشرة، وهي الجلدة الظاهرة من البشر والسرور.
والمأمور بالتبشير هنا، قيل: هو النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: هو كل أحد ممن يتأتّى منه التبشير، كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم:«بشّر المشّائين إلى المساجد في ظلم الليالي، بالنور التامّ يوم القيامة»، فإنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر بذلك واحدا بعينه، بل كلّ أحد ممّن يتأتّى منه ذلك، كالعلماء وولاة الأمور. والأمر على الأول للوجوب؛ لأنّ البشارة من جملة ما أمر بتبليغه.
أي: فرّح يا محمد قلوب الذين آمنوا، وصدّقوا بأنّ القرآن منزل من عند الله تعالى، وبجميع ما أرسلت به. {وَعَمِلُوا} الأعمال {الصَّالِحاتِ} من الفرائض والنوافل، جمع صالحة؛ أي: وعملوا الفعلات الصالحات، وهي كلّ ما كان لله تعالى. وفي عطف (١) العمل على الإيمان، دلالة على تغايرهما، وإشعار بأنّ مدار استحقاق البشارة مجموع الأمرين، فإنّ الإيمان أساس، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا غناء بأساس لا بناء عليه. وطلب الجنة بلا عمل حال السفهاء؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى، جعل العمل سببا لدخول الجنة، والعبد وإن كان يدخله الله الجنة بمجرّد الإيمان، لكن العمل يزيد نور الإيمان، وبه يتنوّر قلب المؤمن، وكم من عقبة كؤود تستقبل العبد إلى أن يصل إلى الجنة، وأوّل تلك العقبات عقبة الإيمان، أنّه هل يسلم من السلب أم لا؟ فلزم العمل لتسهيل العقبات.
أي: أخبر يا محمد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بشارة بـ {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} أي: حدائق وبساتين ذات أشجار مثمرة، ومساكن مزيّنة. والجنة: ما فيه النخيل، والفردوس: ما فيه الكرم، كذا قال الفراء. ولفرط التفاف أغصان أشجارها، وتستّرها بالأشجار سمّيت جنة، كأنّها سترة واحدة، لأنّ الجنة بناء مرّة. وإنّما سميت دار الثواب بها مع أنّ فيها ما لا يوصف من الغرفات والقصور؛ لما أنّها مناط نعيمها ومعظم ملاذّها.